بعيداً عن تباينات قراءة المشهد الراهن، وتجاوزا لخلافات المنظِّرين حول الأسباب والمسببات التى ساهمت فى تفاقم الأوضاع العربية وأوصلتنا إلى هذا النفق شديد الظلمة والسواد، واقترابا من الواقع ومرارته وتعقيداته، لا بد أولاً من التسليم بأننا فى محنة ما بعد النكسة، وعلينا أن نجلس بسرعة معاً لنقرأ بصوت عال خطاب الاعتراف بالنكسة ونعترف أمام أنفسنا بأننا شبه أمة أو بقايا أمة تعيش مرحلة التفكيك وتنتظر بلا حول ولا قوة مرحلة التركيب، حيث تم تفكيك «الدولة الوطنية» عن طريق ضرب أهم أعمدتها الأساسية وهى «الجيوش الوطنية النظامية» واستبدالها بجماعات ومليشيات مسلحة من دون الدولة، هذا التفكيك تم «بمفكات محلية» وفقاً لمواصفات وخطط إقليمية ودولية.
> > > > > > > >
وجار إعادة «التركيب» على أسس «دينية وطائفية أو قومية و أيديولوجية أو مناطقية أو بحسب التبعية الإقليمية «، وللأسف تنتشر عمليات الفك والتركيب فى المناطق العربية الخمسة وهى المشرق العربى والمغرب العربى والقرن الأفريقى ووادى النيل ودول الخليج، حيث تعانى تسع دول عربية من تصدع جدران عواصمها بفعل مطارق ضخمة مصنوعة خصيصا لهذا الغرض لكن الغريب ان حاملى هذه المطارق هم أبناء تلك الدول يستوى فى هذا من يدرك ومن يجهل، أمامنا حرب اهلية فى السودان وانقسام فى ليبيا وخلاف جزائرى – مغربى وازمة طاحنة فى الصومال وانهيار تام فى اليمن وضياع متواصل فى لبنان وجراح لم تندمل فى العراق ونزيف داخلى فى سوريا وشلل فى الأراضى الفلسطينية.
> > > > > > > >
هذه تسع دول عربية فى خمسة مناطق بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية فى مصر والأردن وما تتعرض له دول الخليج من تهديدات إيرانية بين الحين والآخر، هناك أراض عربية محتلة وتتواجد فيها قوات إقليمية ودولية غير عربية فإسرائيل تحتل وتغتصب أراضى عربية فى فلسطين ولبنان وسوريا وتتواجد القوات التركية فى شمال سوريا والعراق وغرب ليبيا وتتواجد قوات إيرانية فى أراضى اليمن ولبنان والعراق وكذلك الجزر الإماراتية المحتلة، بالإضافة إلى تواجد القواعد الأمريكية والروسية والبريطانية فى العديد من الدول العربية، هذا هو الواقع العربى الآن، فهل هناك بقية باقية من الامن القومى العربي؟
> > > > > > > >
أذكر الجميع أن معاهدة الدفاع العربى المشترك وقعت عام 1950، تلتها الورقة التى قدمتها الأمانة العامة للجامعة العربية فى قمة بغداد عام 1990 والتى تتضمن مفهوم الأمن القومى العربى وكذلك التحديات التى تجابهه على كافة الأصعدة، تلى ذلك ما صاغه البرلمان العربى من تعريف للأمن القومى العربى على انه «قدرة الأمة العربية فى الدفاع عن نفسها وعن حقوقها وصون استقلالها، وسيادتها على أراضيها، ومواجهة التحديات والمخاطر من خلال تنمية القدرات والإمكانات العربية فى المجالات كافة، وفى إطار وحدة عربية شاملة آخذاً فى الاعتبار الاحتياجات الأمنية القطرية لكل دولة بما يخدم مصالح الأمة العربية، ويضمن مستقبلاً آمناً، وبما يمكنها من المساهمة فى بناء الحضارة الإنسانية»
> > > > > > > >
فى تقديرى أننا تجاوزنا كل هذه التعريفات ووقعنا فى فخاخ كل هذه التحديات وصار مفهوم الأمن القومى العربى جملة لا محل لها من الإعراب، الواقع تغير وتبدل وعلينا ان نحترم انفسنا وعقولنا باحترامنا لتلك المتغيرات والعمل على صياغة مفهوم جديد يتماشى ويتلاءم ويتوافق ويحترم الواقع الجديد – على مرارته – بيد أن القادم سيكون أسوأ وليست هناك دولة عربية واحدة خارج إطار الخطر الوجودي، فإذا لم تقف الدول العربية المتبقية دون تفكيك أو احتلال أو صراع داخلى وهى الدول الخليجية الستة ومصر والجزائر والمغرب وتونس كذلك الأردن والعراق وقفة جادة حاسمة لصياغة مفهوم جديد للأمن القومى العربى تحت قيادة مصر الكبيرة وجيشها الأكبر وفكرها الأوسع فى هذه اللحظات الدقيقة شديدة التعقيد،
> > > > > > >
لا بد من توحيد المواقف والتحركات مع القوى الإقليمية والدولية للحفاظ على ما تبقى من عواصم عربية والعمل على اعادة ما تلاشى من خطوط الجغرافيا على الخرائط العربية الممزقة، هذه ليست دعوات للرفاهية السياسية ولكنها انتقال من مربع الفناء إلى مربع البقاء، وإذا لم تنجح هذه الدول فى الاصطفاف الجاد والصادق فليس هناك أمل فى أى عمل عربى مشترك وعليه لا فائدة من وجود جامعة للدول العربية ترفرف عليها أعلام ممزقة ومنقوصة السيادة.