وكأنى ألقيت نكتة سخيفة على مسامعهم، سيل من الضحكات ووابل من الهجمات واللعنات، وبالطبع لم أسلم أنا وآل بيتى من السباب والهجاء والازدراء، القصة بدأت حينما نشر بنك الاستثمار الأمريكى «جولدمان ساكس» تقريرا حول مستقبل الاقتصاد العالمى خلال الخمسين عاما القادمة، التقرير أوضح أن ترتيب الاقتصادات الكبرى سيشهد تغييرا جذريا، حيث سيحل الاقتصاد الصينى فى المركز الأول يليه الاقتصاد الهندى ثم الأمريكي، وهذا الترتيب حتى الآن يمكن تصوره وفقا لمعدلات النمو الحالية، لكن عندما تحل كل من إندونيسيا ونيجيريا وباكستان فى المراكز من الرابع إلى السادس بنفس الترتيب فهنا تكمن المفاجأة، لكن المفاجأة الأكبر كانت وضع مصر فى المرتبة السابعة بناتج محلى اجمالى يبلغ 10.4 تريليون دولار، يتبعها كل من البرازيل وألمانيا وبريطانيا والمكسيك واليابان وروسيا والفلبين وفرنسا، هذا التقرير اعتمد على دراسة معمقة لاقتصادات 104 دول من 1980 إلى 2000 ثم 2022 ثم 2050 ثم 2075، عندما وصلنى التقرير اعتقدت فى البداية انه تقرير مضروب او نتاج عمل بحثى غير دقيق حتى وجدت اهتماما شديدا بمخرجات هذا التقرير من المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية ومن ثم من كافة وسائل الإعلام العالمية، دققت النظر على اقتصاد مصر فوجدت قراءة شديدة الدقة من عام 1980 إلى عام 2075، أرقام الماضى معروفة ولا تحتاج إلى إعادة تذكير لكن أرقام وإحصاءات المستقبل هى الأكثر إثارة وأهمية، فصعود اقتصاد مصر من مركزه الحالى وحالته الصعبة إلى مراكز متقدمة وصولا إلى المركز الثانى عشر على مستوى العالم بناتج محلى اجمالى يصل إلى 3.5 تريليون دولار عام 2050 لهو أمر شديد الأهمية والاهتمام، وسائل الإعلام العالمية اهتمت وتناولت وحللت التقرير باستفاضة، لكن الملفت ان إعلامنا وصحافتنا المحلية تناولت التقرير بحالة من الخجل المخجل وكأن التقرير يحط من شأن مصر! حالة من اللامنطق واللامعقول اكتنفت هذا الملف، وعندما قمت بتناول الموضوع فى برنامجى كان صدى التناول مخيباً للآمال، فرغم أهمية التقرير الذى يستشرف المستقبل، إلا ان البعض لا ينظر إلا إلى تحت قدميه، والكثيرون لا يؤمنون بالمستقبل ولا استشرافه، بيد أن الحديث عن المستقبل بات عند البعض « مزحة « أو « نكتة « ثقيلة الظل، لقد اختطف الإعلام المعادى وبعض كتائب الذباب الإلكترونى الموضوع الأصلى والتناول الإعلامى بتعليقات ساخرة اخرجت الموضوع من سياقه تماما، وكانت التعليقات من عينة..
«الديهى للمصريين اطمئنوا اقتصادنا سيكون أفضل فى عام 2075!» و»سنخرج من عنق الزجاجة بعد 50 سنة» إلى آخر التعليقات الساخرة، وفى الطبيعى ان أتعامل مع هذا الأمور ببساطة وكأنها لم تحدث، إلى أن جاءتنى مكالمة هاتفية من صديق وزميل له وزنه فى عالم الصحافة والإعلام، حيث سألنى بشكل واضح «أأنت قلت للناس ان اقتصاد مصر سيكون فى المرتبة السابعة عام 2075؟» قلت له نعم، قال كيف تقول هذا يا رجل فى هذه الأوقات التى يعانى فيها الناس من شظف العيش من آثار الأزمة الاقتصادية؟ وكيف تغامر وتعرض نفسك للهجوم والسخرية؟ قلت له يا عزيزى ألم تقرأ التقرير الذى تتحدث عنه؟ قال بلي، قلت إذن أين المشكلة؟ قال الناس لن تتقبل الحديث عن المستقبل وهم فى ظروف صعبة، قلت بل وجب علينا نحن الإعلاميين والصحفيين ان نبنى الأمل ونظهره أمام الناس طالما كانت الحقائق والتقارير والدراسات بين أيدينا، لماذا لا نسلط الضوء على الأمور الإيجابية التى ترفع معنويات الناس؟ ولماذا نخجل من سرد الإيجابيات والإنجازات؟ هل وقعنا جميعا فى فخ نفاق العوام؟ هل بات الحديث عن المستقبل بمثابة نكتة سخيفة نخشى من تبعاتها؟