بعد أيام نستقبل ذكرى ما يعرف بأحداث يناير 2011، وهى ذكرى مؤسفة تجتر معها ذكريات مؤلمة، ذلك أن ما تعانيه مصر والمنطقة العربية الآن هو أحد تجليات هذا المشهد البائس الذى حسب البعض أنه بداية لأحلام كبرى فإذا بنا نصحو على فاجعة لا تزال تداعياتها تتوالى ونرجو الله أن يكون العام الجديد أفضل من سابقه وأن يحمل لمصر وأمتها العربية والإسلامية الخبر والاستقرار والازدهار .
وإذا أمعنا النظر فيما جرى فى سنوات ما بعد يناير 2011 لأدركنا كم كانت مؤامرة كبرى حيكت لمصر والمنطقة العربية كلها بعناية ولعلها كانت ترجمة لما سبق أن أسمته كوندا ليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا الأسبق بالفوضى الخلاقة، وهى بالفعل فوضى لكنها ليست خلاقة بل مدمرة ذهبت بأمن الشعوب العربية وجعلت مستقبلها غامضا أو ضبابيا فى أحسن الأحوال، وحين نطالع ما يجرى اليوم فى منطقتنا وفى دول مجاورة ذهب أمنها وضاعت وحدتها لأدركنا أن ما كان فى يناير وما بعده جرى الإعداد له منذ سنوات فهو مؤامرة تماهى معها للأسف خونة من الداخل وخلايا نائمة وطابور خامس ..لكن ذلك ورغم سوئه أعاد التأكيد على دور جيشنا الوطنى فى حماية الوطن من الأشرار هنا وخارج هنا، كما ضاعف الشعور بقيمة هذا الوطن والخوف عليه من أن يتخطفه عدو هنا أو تعصف به رياح الفتن والانقسام والاحتراب الأهلى الذى كنا قاب قوسين أو أدنى من الدخول فى نفقه المظلم لولا عناية الله ولطفه.
بعد مرور نحو 14 عاما على أحداث يناير 2011 ..ثمة أسئلة لا تجد إجابة شافية لها حتى الآن: هل جرى تفجير ما سُمّى بثورات الخريف العربى لهدم دولنا وتخريبها بأيدى أبنائها وتقسيمها لحساب مشروع استعمارى جديد باتت ملامحه ظاهرة لكل ذى عينين.. وسؤالى للمصريين: ماذا لو عاد بكم الزمن للوراء هل كنتم تسمحون بما جرى وتقفون منه موقف المتفرج..أم كنتم ستمنعونه بأى ثمن ..وما انطباعاتكم إزاء ما حدث بعدها من تداعيات وكوارث ما زلنا جميعاً بلا استثناء نتجرع حصادها المر..؟!
اليوم.. وقد مر أكثر من 12 عاما على إزاحة الإخوان عن حكم مصر وقد أصابوا الشعب بخيبة أمل كبيرة بعد عام كامل من الإخفاقات والاختناقات والصراعات ماذا تقولون عما يحدث فى سوريا أو ليبيا أو السودان..وهل الدول التى تذهب جيوشها يمكن أن تقوم لها قائمة؟!
شتان بين مناسبات قومية تأتى ذكراها كل عام لتجدد فينا مشاعر الفخر والبهجة والارتياح والحفاوة الشعبية كنصر أكتوبر 1973، وتحرير كامل التراب فى سيناء وثورة 30يونيو ..وبين حوادث أخرى لا تشيع إلا مشاعر أسى وغم وحسرة يدفع الجميع ثمنها من راحته ومستقبل أولاده مثلما جرى من وقائع هدم وفوضى وتخريب مارسه الإخوان ومن دار فى فلكهم من طابور خامس وغيره منذ وقعت حوادث 25 يناير.. وحتى قامت ثورة 30 يونيو 2013.
الأمم الحية هى فقط من تحفظ تاريخها جيدا واقرأ كل سطر فيه بعناية وتمحيص لاستخلاص العبر والدروس حتى لا تلدغ من جحر مرتين، تسليط الضوء على وقائع السوء والمؤامرة التى وقعت فيما وراء احداث يناير ينطوى فى رأيى على جملة من فوائد، لعل أهمها تنشيط الذاكرة الجمعية وإبقاؤها متقدة لا تنسى ما كان من جرائم الإخوان وتاريخهم الأسود منذ تأسست جماعتهم فى ثلاثينيات القرن الماضى ..فضلا على ضرورة اليقظة لإبطال آلة الشائعات الإخوانية التى لا تزال تعمل بكفاءة فى كل اتجاه عبر مواقعهم الإلكترونية والاجتماعية وصحفهم و فضائياتهم لتشويه الوعى وضرب تماسك الجبهة الداخلية..فهل نحن منتبهون؟!
تاريخياً.. وقعت حوادث تاريخية كبرى فى المنطقة كلها ولم يوقف انفراط عقد هذه الأمة وانهيارها إلا مصر التى هزمت التتار والمغول والصليبيين وأبقت للأمة وجودها الذى كاد ينمحى فى ظل تفرق وتشرذم وغفلة وهكذا هى مصر بنسيجها الوطنى والتحام جيشها وشعبها خلف قيادتها تمثل حائط الصد الأخير لأمتها وصمام الأمان ضد محاولات التذويب والفتن والتقسيم التى لم تتوقف منذ قرون.
الدولة الوطنية وحدها هى القادرة على الحفاظ على وحدة الوطن والتراب، هذه الوحدة التى لا تعرفها الميليشيات والجماعات الإرهابية التى لا تتورع عن عقد الصفقات والرقص على جثث الاوطان طمعا فى جزء من الكعكة وجريا وراء اوهام الزعامة والقيادة!!
ويمكن القول باطمئنان أن ما حدث فى عام واحد. حكمته جماعة الإخوان الإرهابية كتب نهايتها بعد أن اكتشف الرأى العام والشعب كله ما مارسته تلك الجماعة من عنف وتخريب متخذة من الدين شعاراً وستاراً لأفعالها المشينة .
ولم يكن من السهل أن يلفظ الشعب الإخوان لولا ما رآه رأى العين من أفعالهم التى أكدت أن تلك الجماعة دموية لا دعوية ولا سياسية كما كانوا يدّعون ويخططون؛ وأن مصالح قادتهم وأهدافهم أحب إليهم من مصر وشعبها، ولا يتورعون عن التضحية بكل شيء تحقيقاً لتلك المصالح حتى ولو كان الثمن هو أرواح هذا الشعب ودماؤه الزكية.
وكم هى باهظة تلك الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية لأحداث يناير وما تبعها من سنوات ثقال عجاف، دفع الجميع- شعباً ودولة وأجيالاً قادمة- ثمنها غالياً من استقرارنا ومواردنا وفرص تقدمنا وأمننا حتى أن خسائرها بلغت حداً لم يدر بخلد أكثر المتشائمين مما جرى من أحداث تفوق الخيال..ولم يكن ذلك إلا لفرط عشوائية حركة الجماهير وما قابله من خبث أشد وانتهازية أكبر مارستها أطراف بعينها لكسب المواقف وقطف الثمار، كما رأينا من إشعال للميادين بالغضب ثم تركها للقفز على البرلمان والمناصب السياسية الرفيعة.
وسوف يبقى ما حدث ماثلا فى الأذهان لا تنساه الذاكرة الجمعية، ودائما ما يحرص الرئيس السيسى على تذكيرنا به، مستندا لحقيقة ساطعة مفادها أنه ما من دولة ضربتها ريح الثورات والفوضى إلا وعاشت سنوات ثقيلة ومتاعب وآلاماً..ودائما ما يحذرنا الرئيس بقوله « خلوا بالكم من الشعارات الزائفة والكلام المعسول الذى يفضى بكم إلى الضياع؛ فالبلاد التى راحت لم تعد»..وفى ذلك رسالة أراد الرئيس السيسى تذكير أبناء مصر بها حتى يحافظوا دوماً على بلادهم ضد رياح الفتن، ويعضوا على استقرارها بالنواجذ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.