عندما وضع الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور نظريته حول العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الناس والتى أسماها «معضلة القنفذ».
والتى شرح من خلالها أفكاره الرصينة والمعتبرة حول نظرية أخرى تسمى «نظرية المسافات البينية» وباختصار غير مخّل ففى أوقات البرد الشديد والصقيع تقترب القنافد من بعضها البعض باحثة عن الدفء المفقود، وكلما ضاقت المسافات ازداد خطر الوخز المتبادل بين القنافذ ، هذا الوخز يحدث بحسن نوايا لكنه يؤذى الجميع، فالهدف من الاقتراب كان البحث عن الدفء لكن تكلفة الاقتراب تكون مؤلمة وهنا تتبدى لنا نظرية «المسافات البينية الضرورية» فالاقتراب يكون مقبولا ومطلوبا الى مرحلة ما قبل الوخز المتبادل الذى يصنع ألما متبادلا لا يتقبله كلا الطرفين، فعند التقارب الشديد يحدث الوخز المؤلم وعندما يشتد الألم يحدث التباعد فيسيطر الشعور بالبرد مجددا، وفى النهاية ستكتشف جميع القنافذ أن أفضل ما يمكن عمله هو البقاء على مسافة محسوبة وصغيرة من بعضهم لتحقيق أكبر قدر ممكن من الدفء شرط ألا يحدث تلامس يؤدى الى الوخز مما يخلق شعوراً بالألم يقود مجددا الى التنافر والابتعاد، هذه الأفكار البسيطة ليست فلسفة عميقة وإنما قضايا منطقية تتكون من مقدمات ومخرجات، فإذا كانت القنافذ تفعل هذا السلوك الفطريّ دونما نظريات ومنظرين فلماذا لا نتعلم نحن البشر من سلوكيات القنافذ؟ لماذا نقف حيارى امام العديد من الأمور المرتبطة بالعلاقات الإنسانية؟ وهنا يقودنى هذا الأمر الى ما هو أمُر، فالعلاقات بين الدول يجب ان يسودها نوع من التفاهم والقناعات التى توصلت اليها القنافذ دون فلسفات معقدة فى نظريات العلاقات الدولية ، فالدول العربية مثلا تشعر بالبرودة السياسية فى ظل عالم سريع التغير والتحول بين القطبية الاحادية والمتعددة فيكون التوحد والاقتراب هو القرار المنطقى بين المتشابهات سياسيا كالمجموعة العربية ، لكن الاقتراب المفرط يؤدى إلى الوخز المؤلم كما القنافذ فيكون الابتعاد والتنافر ثم الشعور بالوحدة والبرودة، وهنا يجب السير على نهج القنافذ فى خلق وبناء وتحديد المسافات البينية بوضوح لتحقيق افضل ما يمكن تحقيقه دون وخز وشعور بالألم ومن ثم قرار الابتعاد.