الوقت يداهمنا ولم يعد فى النفس متسع لمزيد من الترقب والانتظار، علينا أن نتحرك دون إبطاء ودون ارتكاب مزيد من الأخطاء، فلم يعد مستساغا ان ننتظر افكار وتصورات الآخرين، خاصة فى القضايا المصيرية، ونحن الآن نعيش فترة «الفك والتركيب» للنظام العالمى المنتهى صلاحيته وفق كل المعايير، وبقدر بسيط من النظر سنجد أن مدلول مصطلح «الأمة العربية» لم يعد كما كان فى زمن فات ولن يعود، فنحن أمام ثمانى دول عربية مأزومة أو تحاول جاهدة الخروج من الأزمة، هذه الدول هى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال، والسؤال هنا من تكون الدولة التاسعة المرشحة لدخول قائمة الدول المأزومة والتى تعرضت لعوامل التعرية السياسية بفعل فواعل غير وطنية؟ والسؤال الآخر والذى يبدو متفائلا هو من من الدول المأزومة سيخرج من دائرة الأزمة؟
>>>
الحقيقة لم يبق إلا مصر ودول الخليج ودول المغرب العربى التى يمكن ان تنطلق وتنخرط فى منظومة إقليمية وعالمية جديدة رغم ما يعترى هذه الدول من أزمات داخلية بعضها اقتصادى وبعضها أمنى وبعضها اجتماعى بالإضافة إلى بعض التوترات الحدودية التى يعانى منها البعض، لذلك العالم العربى فى وضع شديد الصعوبة والتعقيد وكذلك الضعف، عندما تخصم من أرصدة القوة العربية سوريا والعراق ثم تنظر أمامك لتجد حزاماً من الميليشيات الفاعلة من دون الدولة تسيطر على مجريات القرار فى دولها ومحيطها فهذا يمثل مشهدا بائسا وشديد الخطورة، الشارع العربى قلق ويشعر بالانهزامية، والحقيقة التى لا يجب ان نخجل منها هى أننا اصبحنا عبئا على العالم المتقدم ! فالمنطقة هى مَنْ صدَّرت الإرهاب والهجرة غير الشرعية والصراعات الجارية تزيد من تعميق الأزمة، لكن هل المنطقة بائسة وصراعاتها طبيعية وحدثت من تلقاء نفسها، أم أنها صراعات مصطنعة «هاند ميد»؟
>>>
لذلك يجب ان يكون هناك تصور جديد مبنى على قواعد الواقعية السياسية، لم يعد مقبولا ان نكون فى حالة صراع مع القوى الإقليمية التاريخية، فطالما ان القوة العربية تبددت و باتت فى أضعف حالتها، وطالما ان حلم عودة العواصم العربية بات بعيد المنال، فلابد وان نجعل رماحنا الموجهة صوب القوى الإقليمية فى وضعها المقلوب تعبيرا عن وقف العدوان والصراع والبحث عن السلام دون استسلام طرف لحساب طرف، ثم نهدأ قليلا ويتحول الأمر إلى تعاون حقيقي، لذلك لابد من تدوير الزوايا مع ايران وتركيا اولاً للاتفاق على آلية التعامل مع اسرائيل والوصول معها إلى تسوية إقليمية حقيقية تنتهى بدولة فلسطينية، ثم ضم اسرائيل إلى هذا التجمع الإقليمى «العربى التركى الإيرانى» بعد قيام الدولة الفلسطينية ثم يتم ضم إثيوبيا إلى هذا التجمع التنموى بعد الوصول إلى اتفاق مع مصر والسودان على مسألة الأمن المائى المعلقة، أتصور ان التحرك تجاه القوى الإقليمية وإتمام التفاهمات معها حول القضايا المعلقة ثم الانخراط فى تعاون سيجعل من الإقليم اقليماً مشاركاً ومؤثراً فى رسم خطوط النظام العالمى الجديد.