فى حياة كل منا دوائر عديدة منها ما هو منفصل ومستقل عن غيره من باقى الدوائر المحيطة، ومنها ما هو متداخل فى المساحات والمسافات البينية، وهنا تتعدد التقاطعات ويصعب فك الخوارزميات الخاصة بعلاقة تلك الدوائر ببعضها فى محيط الأسباب والنتائج شديدة التعقيد من عمق تداخلها، وهناك أيضا دوائر لطيفة بسيطة فى جوهرها لكنها تبدو على السطح غير ذلك، وعلى العكس تماما تجد دائرة مسمومة الجوهر جذابة المظهر، جميعنا يمكنه ان يمسك بقلمه ويرسم بحبر سرى تلك الدوائر بنفسه ولنفسه على ورق وهمى.
>>>
وعندما تضع بعض الدوائر المتشابهة فى سميتها وسوداويتها فى سلة واحدة ستختفى دائريتها أمام عينيك وكأنه خداع بصرى وتتحول المنحنيات إلى خطوط تجرها سهام مسمومة مسومة إلى سويداء قلبك وعقلك ووجدانك ومصالحك، فمن فضلك اغمض عينيك قليلا.. ضع أمام مخيلتك كل الدوائر دون مساحيق.. اقرأ ما كتبته بالحبر السرى.. ثم افرك عينيك برفق وانظر إلى تلك الورقة المرسوم عليها تلك الدوائر الوهمية ستجدها للأسف دوائر مدببة مسمومة قاتلة، ولا تسألنى كيف يمكن للدوائر ان تكون مدببة؟
>>>
لكن يمكننى أن أبسِّط لك المسألة وأقول إنها تبدو دائرة من حيث الشكل لكنها مدببة فى جوهرها وأثرها ومردودها عليك انت، وفى الرياضيات تعتبر دالة فايرشتراس أو الدالة المدببة مثالا على حالة ذات قيمة حقيقية كاملة على المخطط الزمنى، ولها خاصية الاتصال فى كل مكان وغير قابلة للاشتقاق فى أى مكان وقد سميت بهذا الاسم نسبة لمكتشفها كارل فاير شتراس، وهى دالة مستمرة فى كل مكان ولكنها غير قابلة للاشتقاق فى أى مكان.
>>>
وهنا تتبدى عبقرية الرياضيات وعلومها والتفاضل والتكامل وحساب المثلثات وهندسة الدوائر ورغم هذه العبقرية إلا أننى لم أجد ما يمكن ان استند إليه رياضيا لدعم نظرية الدوائر المدببة التى استنبطها من بين ثنايا فلسفة دوائر العلاقات، لذلك سأترك علوم الرياضيات وألجأ إلى علوم السياسة والعلاقات الدولية علّنى أجد ما يشبع رغبتى الجامحة فى صياغة منضبطة لنظرية «الدوائر المدببة» والحقيقة لم أجد أيضا هناك ما يمكننى الاعتماد عليه.
>>>
لجأت إلى علوم الهندسة المعمارية فوجدت الكثير من الطرازات المعمارية التى اعتمدت على مقاييس الدوائر والأقبية وحركة الهواء الدائرية وأصوات الريح إلى آخر تلك الزوايا المعمارية، لكن بعيدا عن هذا وذاك، أعود إلى ما بدأته عن قراءتى لأنواع وأشكال الدوائر فى حياتنا، ولم أكن أقصد الغوص فى دهاليز وتعقيدات العلاقات الإنسانية على الصعيد الاجتماعى رغم أهميتها وعلى الرغم من صحة ما أوردته – على الأقل فيما أراه شخصيا – لكننى أردت أن أضرب مثلا أو أسوق نماذج للعلاقات الدولية مستعينا بالعلاقات الإنسانية.
>>>
فهناك دول تبدو صديقة وشقيقة وتأخذ سلوكياتها نفس المنحنيات الدائرية، فينجذب البعض ويأمن لهذا الملمس شديد النعومة، لكن الواقع يقول إننا أمام دائرة مدببة كما القنافد التى ليس من بينها قنفذ واحد أملس، إذا فتحنا الخريطة وبدأنا فى تلوين الدول بألوان معبرة عن مدى صدق العلاقات وموثوقيتها، فماذا سنجد دون أن نكتب أو نردد أو حتى نلمح؟ سنجد دوائر مدببة.. ومسمومة أيضاً.