منصة القضاء العالية كاشفة لتفاصيل لا يراها الكثيرون، من فوقها وبخبرة ما ينظره من قضايا يرى القاضي قلب المجتمع، ويغوص في أعماقه ويعرف أمراضه، ويستطيع تشخيصها وقادر أيضا على وصف الدواء المناسب لها، ولهذا فرغم أن كثيرين منا لا يتوقفون في القضايا إلا عند منطوق الحكم، حبسًا أو سجنًا أو مؤبدًا لكن الحقيقة أن ما قبل الحكم قد يكون أهم وأنفع، الحكم يردع المتهم فقط، أما حيثياته فهي تخاطب المجتمع كله.
فكل جملة يقولها القاضي من على منصته أو يدونها في حيثيات حكمه وإن كانت في ظاهرها تخص الواقعة التي ينظرها لكنها في جوهرها تمس عموم الناس، أحيانًا تنبه إلى خطر قد لا نراه، أو تحذر من كارثة أو تشير إلى ظاهرة تتنامى، أو تفتح ملفًا مسكوتًا عنه مجتمعيًا، أو تفجر قضايا تحتاج مناقشة جادة.
وفي قضية إمام عاشور كانت كلمات القاضي للاعب رسالة تجاوزت قاعة محكمة الجنح المستأنفة بالشيخ زايد إلى كل المجتمع، قال القاضي لعاشور ناصحًا: «أنت لاعب مشهور والناس بيعتبروك قدوة فلازم تكون مسئول عن أفعالك، وعبد الله فرد أمن له حق لأنه بنى آدم زيك،.. أنا متأكد إنك اتعلمت من اللي حصل، لكن لازم أوصيك بوضوح.. متعملش كده تاني.. وجودك في الملعب ومكانتك كلاعب كبير أمانة، حافظ على مستقبلك، مفيش حد فوق القانون».
كلمات ونصائح ذهبية، عبر بها القاضي عن لسان حالنا جميعًا، وخاطب الكثيرين الذين اعتقدوا أن الشهرة تمنحهم الحق في التجاوز وتحضنهم ضد القانون وتحميهم من العقاب، لا يقدرون الآخرين ولا يراعون مشاعر الناس ولا يحترمون حقوقهم ولا يهتمون بقيم أو مبادئ، القضية بالتأكيد ليست إمام عاشور وحده، فربما يكون حظه العثر هو الذي قاده إلى هذا الموقف، وإنما القضية تخص كل من تغريهم الشهرة وتزداد عندهم الآنا وتنقص عندهم الخبرة ينسون أن الشباب يعتبرهم النموذج ويراهم القدوة ويقلد أفعالهم بالحق والباطل.
القاضي في كلماته لم يتحدث إلى إمام عاشور فقط بل إلى كل هؤلاء الذين لا يقدرون نعمة الشهرة حق قدرها، يطالبهم بأن يكونوا مسئولين عن أفعالهم وأن يتعاملوا بما يليق بهذه المكانة وبما يحترم القانون ويعلى من الأخلاق.
رسالة القاضى وصلت إلى إمام الذى وعى الدرس جيدًا وأدرك أنه وقت الجد لا تحميه الشهرة من سلطان القانون، وأن الغلطة ثمنها غال، لكن مطلوب أن تتحول كلمات القاضي إلى صرخة من المنصة العالية لأمثال إمام عاشور وغيرهم، في كل مجال، حتى تعود القدوة التي نتمناها وأن يكونوا على قدر المسئولية، أن يدرك هؤلاء أن النجومية ليست فرد عضلات و «فلاتة لسان»، وتعاليًا على خلق الله دايمًا النجومية خلق واحترام وقيمة يستفيد منها الناس.
ليس مقبولًا أن تكون نجمًا متجاوزًا، النجم مسئوليته أكبر ألف مرة من أي مواطن آخر، وإذا تخلى عن دوره فقد خان أمانة النجومية والشهرة، أهم ما في محمد صلاح ليست فقط إبداعاته الكروية وعبقريته في تحطيم الأرقام، وإنما أخلاقياته التي فرضت شخصيته ومحبته على الجميع.
ومن قبل صلاح كانت وما زالت لدينا آلاف الشخصيات يمثلون قدوة بمعنى الكلمة، ولم يرصد لهم أحد غلطة واحدة، لكن بعض أبناء هذا الجيل يفهمون الشهرة خطأ، ولهذا كانت كلمات القاضي رسالة في وقتها.