شعور فادح بالمسئولية ودون مقدمات تمهيدية تذهب بنا إلى مناطق نائية عن جغرافية الفكرة الأساسية سأدخل فى الموضوع مباشرة ودون ضجيج ، حيث يلح على سؤال غاية فى الصعوبة من شدة سطحيته ، كيف استطاعت اسرائيل تجنيد كل هذه العناصر المتعاونة معها داخل ايران ومن قبلها لبنان وسوريا والأراضى الفلسطينية المحتلة وما خفى كان أعظم ؟ انها حرب استخباراتية من الدرجة الاولى ، حرب معلومات ، حرب اتصالات وتكنولوجيا، باختصار حرب جواسيس ، وحتى لا يكون الكلام دخانا فى الهواء بلا مصدر.
>>>
انعش ذاكرتى واياكم بالحوادث التالية ، كيف استطاعت اسرائيل اغتيال واصطياد علماء الطاقة النووية الإيرانية على مدار العقود الماضية الواحد تلو الآخر فى عمليات نوعية يعرفها القاصى والداني؟ وكيف استطاعت اسرائيل اغتيال حسن نصرالله وكبار قادة حزب الله فى قلاعهم المحصنة؟ وكيف استطاعت تصفية إسماعيل هنية فى بيت الضيافة فى قلب ثكنات الحرس الثورى فى وسط طهران؟ وكيف استطاعت اغتيال صالح العارورى فى مكتبه بالضاحية الجنوبية؟ بل كيف نجحت فى اغتيال احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى فى غزة؟
>>>
واليوم نضيف لهذه التساؤلات ما نراه امام أعيننا ، كيف نجحت الأجهزة الاسرائيلية فى اغتيال كل هذا العدد من قادة الجيش الايرانى فى لحظة متزامنة ؟ وكيف وصلت إلى أماكن نومهم هم وفريق علماء الذرة والطاقة النووية القائمين على البرنامج النووى فى ايران ؟ هذه الاحداث جميعها يربطها رابط واحد ، إلا وهو تجنيد المتعاونين مع الموساد من ابناء تلك الدول ، ولكن كيف يتم ذلك ولماذا؟ اتساءل بعمق وحزن وخوف ، كيف يتم اصطياد مواطن إيرانى أو عربى أو تركى وتجنيده للعمل كجاسوس متعاون مع جهاز الموساد الاسرائيلى بهذه السهولة واليسر والنجاح؟
>>>
بيد أن إسرائيل تطبق نظرية «النفس الطويل» فلا تتعجل من أمرها، بل تتريث وتنضج طبخاتها «على نار هادئة» بيد أن تجنيد الكوادر يمكن أن يستغرق سنوات من التربية والتدريب والتأهيل وصولا إلى لحظة النضوج والتكليف، هنا أتذكر تصريحا خطيرا للرئيس الإيرانى الأسبق محمود أحمدى نجاد حينما قال «أنشأنا وحدة لمجابهة التجسس والكشف عن المتعاونين مع الموساد.. اكتشفنا ان رئيس تلك الوحدة يعمل لحساب الموساد» وهناك مسلسل تمت إذاعته على «آبل تى في» بعنوان طهران يحكى هذا المسلسل قصة تجنيد الجواسيس فى إيران.
>>>
حتى اصبح للموساد مقعد فى كل الغرف السرية وكل الاجتماعات الاستراتيجية فى ايران، كيف لك ان تتخيل ان يجلس بجوارك شخص تثق فيه كل الثقة وتسر له بما يجيش فى صدرك وهو يعمل لحساب الموساد وانت لا يمكن ان تشك فيه لحظة واحدة حتى بينك وبين نفسك ؟ هل دخلت اسرائيل لهؤلاء من باب المال ام الجنس ام العقيدة ام الابتزاز؟ كيف يمكن دراسة هذا الملف دون خجل او مواربة؟ كيف يمكن الوصول إلى الأسباب الحقيقية لنجاح عملية التجنيد ، وهل يتم اصطياد الشباب صغيرى السن وقليلى الخبرة الذين يحملون افكارا مشوهة عن دولهم او عقيدتهم او يحملون قدرا من عدم الرضا عن أوضاعهم الاقتصادية؟ أم يتم اصطياد الرجال الذين قاربوا على سن التقاعد والذين لم يحققوا طموحاتهم ويسارعون الزمن من أجل فرصة أخيرة؟ يبدو ان دراسة سلوك الموساد وتتبع تحركاته فى مسألة تجنيد المتعاونين تحتاج إلى دراسة ، لكن نتائج العمليات الاستخباراتية النوعية التى قامت بها الأجهزة المعنية فى اسرائيل ماثلة أمامنا كالكتاب المفتوح لمن أراد ان يتعلم ، علينا ان نتذكر عملية «البيچر» التى قصمت ظهر حزب الله وربما كانت سببا فى سقوط طائرة الرئيس الإيرانى الراحل ابراهبم رئيسى نفسه.
>>>
اكتب بمداد الصدق والوعى والأمانة وانا أشعر بمسئولية فادحة.