.. مهما مرت السنين يظل لذكرى الانتصار نشوة الفخر ومذاق البهجة.. هكذا يهل أكتوبر كل عام ليجدد الثقة ويشحذ العزم فى نفوس المصريين والعرب والمسلمين بل كل الأحرار الذين يثمنون للحق والشرف قيمتهم
اما من عاشوا المرحلة الصعبة على أرض مصر التى استمرت ما بين الخامس من يونيو عام 67 والسادس من أكتوبر هم أكثر من يقدرون مرارة الهزيمة وحلاوة الانتصار.. كانت مفاجأة سارة للغاية لدرجة ان احدا لم يصدق قيام الحرب فعلاً ربما لعمق اللهفة والإصرار على المواجهة للثأر والانتقام واسترداد الأرض وعودة مقاتلينا البواسل الذين واصلوا التدريب ليل نهار على النصر أو الشهادة بكل عزم وإصرار وقوة.
أهالى مدن القناة الثلاث كانت لهفتهم أشد على النصر بعدما عانوا من ويلات التهجير ومرارة التشرد بعيداً عن موطنهم ومصادر أرزاقهم.. لذلك فان ذكريات النصر وعودة المهجرين بداية من أبريل عام 1974 تمنح شعوراً تاريخياً لا يوصف بالسعادة وتلهج الألسنة بالدعاء بالرحمة للشهداء العظام الذين ضحوا بأرواحهم الزكية لنعيش نحن بكرامة فى وطن عزيز وآمن.
عبور القوات المسلحة المصرية لأصعب مانع مائى لمواجهة عدو مدعوم بأكبر قوى كونية عرفها التاريخ بامتلاكها أشد الأسلحة فتكا واتباعها اقسى السياسات خسة.. واقعة ما زال العالم وسوف يظل يدرسها باعجاب بالغ بينما تظل كلمة سر النصر هى الإيمان عن ثقة ويقين فى ان الله أكبر وفوق كيد المعتدى وان الحق اسمه ووعده ماض لا جدال فيه وهو سر يهبه عز وجل لمن شاء وقتما شاء ليكن له درع وسيف.
من هنا يحق لنا التباهى بنصر الله وتعزيز ذلك الاحتفال بالحمد والثناء وتمجيد الذكرى واستعراض تفاصيلها لتتوارثها الأجيال اعلاء لقيم الولاء والانتماء واخلاص الجهد والفداء فى سبيل الوطن.
نرى فى العالم من حولنا بلدان تحولت إلى اطلال يكابد أهلها مذلة الانقسام والتشرد بينما من الله علينا بأمان الوئام والانسجام الاجتماعى لا مذاهب ولا أقليات وقيض لنا من دمائنا عيوناً تحرس واذرعاً تدافع ممثلة فى جيش وطنى قوى وقيادة خبيرة رشيدة نطمئن إليها وبها ومعها على مستقبل مصر.
نصر أكتوبر باق بثماره اليانعة وظلاله الوارفة ودروسه العظيمة وسوف يظل زاداً لا ينضب معينه إلى الأبد فى الوطنية ورادعا لكل غرورغاشم.
قبل أيام أهدى الرئيس عبدالفتاح السيسى بهجة فخر جديدة للمصريين فى حفل تخرج دفعة جديدة من أبطال القوات المسلحة.. كان للحدث هذا العام أثره بالغ الروعة فى نفوس الناس وكان حديثهم فى كل مكان.. بالطبع كان العرض العسكرى رسالة خاصة مهمة وفى وقتها فهمها المصرى وتركت لديه ابتسامة الفخر والاعجاب بقواته المسلحة الفتيه التى تعلمت الدرس قبل نصف قرن وعلمته للعالم وهاهى تذكره ان إرادة مصروسيادتها وحقوق شعبها لا تقبل الجدل وأن حصن السلام فيها يملك ذراعاً تطول من يهدده وان الكرامة الوطنية لا تقبل المساس وان الصبر على التطاول احياناً لا يعنى التجاهل وعلى من لا يفهم ان يراجع تاريخ 2305 أيام فارقة ما بين مرارة النكسة وحلاوة النصر المجيد.