المرأة هى نصف المجتمع.. وهى أساس تنميته وتطوره، وقد بذلت المرأة المصرية جهوداً كبيرة على مدار عقود طويلة حتى تكون شريكاً أساسياً فى البناء والتعمير حتى نالت حقوقها كاملة، غير أنها فى كل عقد من العقود الماضية كانت تخطو خطوة فى مسيرة عملها وتقدمها وهدفها المنشود فى التفوق والنجاح.
وفى هذا السياق تقدم «الجمهورية الأسبوعي» سيرة النساء الأوليات التى حملن مشاعل النور وسط الظلام.. من فتحن أبواباً مغلقة لم يكن مسموحاً لبنات جنسهن أن يطرقنها وخضن معارك مع الجهل والظلم ليمهدن لبنات حواء طرق العلم والتعليم والعمل والنجاح والإبداع.
فى زمن كان تعليم البنت أمراً خارجاً على المألوف مخالفاً للعادات والتقاليد متعارضاً مع النظرة السائدة للمرأة ودورها فى الحياة الذى كان مقتصراً على الزواج وخدمة الرجل وتربية الأبناء.. ورعاية شئون المنزل.
> من شققن طرق العلم.. واقتحمن مجالات العمل ورسمن مسارات جديدة لأجيال قادمة ولا أقصد هنا هدى شعراوى التى بدأت مسيرتها سنة 9191 من أجل تعليم البنات.. بل أقصد نساء أخريات استطعن أن يصلن إلى المناصب القيادية منهن الوزيرة حكمت أبوزيد وعضو مجلس الشعب أول سيدة تدخل البرلمان راوية عطية وأخريات اقتحمن الميدان وانتصرن وأصبحن رئيسات رغم أنف الجميع بل نجحن فى عملهن.
وإلى أولى الحلقات مع أول وزيرة فى تاريخ مصر.. وهى الوزيرة حكمت أبوزيد..
حكمت أبوزيد أول وزيرة مصرية فى تاريخ مصر الحديث وهى أول وزيرة تتولى وزارة الشئون الاجتماعية وسطَّر اسمها فى كتب التاريخ كأول امرأة على مستوى العالم العربى منذ شجر الدر زوجة الملك الصالح أيوب تتولى مسئولية فى الحكومة.
ولدت الدكتورة حكمت أبوزيد فى العام 2291 بقرية الشيخ داوود التابعة للوحدة المحلية بصنبو مركز القوصية، متمردة وثائرة من يومها، تزعمت ثورة الطالبات وهى بالمرحلة الثانوية ضد الانجليز وضد الدستور فى الأربعينيات من القرن الماضي، وتم فصلها عدة مرات، وفى عام 6591 تدربت عسكرياً مع طالبات الجامعة.
صدفة جعلت منها وزيرة
أعجب الرئيس جمال عبدالناصر بجرأة حكمت أبوزيد التى هاجمته على الهواء مباشرة فى حوار تليفزيونى بأنها معترضة على المراهقة الفكرية التى تحدث عنها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وطالبت بأن تكون الثورة عقلانية لأنه لن تثمر إذا كانت عاطفية، ومن هنا جاء اعتراضها على بعض فقرات الميثاق الوطنى حينذاك ففكر الرئيس على الفور فى اختيارها كأول وزيرة فى مصر والشرق الأوسط.
قوبل قرار تعيين الدكتورة حكمت أبوزيد بمنصب وزير بالرفض الشديد من قبل جماعة الإخوان الإرهابية التى شنت هجوماً بالغاً على الرئيس جمال عبدالناصر بدعوى أنه لا يجوز شرعاً تولى امرأة أى من صور المناصب القيادية وما يتعلق بمقاليد الحكم.
كما أسند إليها الرئيس مهمة الرعاية الاجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة المصرية أثناء العدوان الثلاثي، حيث حققت نجاحاً منقطع النظير، وقامت فى العام 9691 بالإشراف على مشروع تهجير أهالى النوبة بعد تعرضها للغرق، مما جعل عبدالناصر يطلق عليها لقب «قلب الثورة الرحيم».
بعد رحيل عبدالناصر أسقط الرئيس السادات الجنسية المصرية عن الدكتورة حكمت أبوزيد، وتم اتهامها بالخيانة العظمى بسبب معارضتها لمعاهدة السلام وأطلقوا عليها الإرهابية والجاسوسة، واتهمها بالتعاون مع الفريق سعد الشاذلى على قلب نظام الحكم، وذهبت هى وزوجها المستشار محمد الصياد للإقامة فى ليبيا لمدة عشرين عاماً، إلى أن أصدرت المحكمة العليا عام 1991 قرارها بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها، وحقها فى حمل جواز السفر المصرى والتمتع بالجنسية المصرية، وفور علمها بذلك قررت العودة لمصر إلى أن توفيت فى 03 يوليو 1102 عن 98 عاماً.
يحسب للدكتورة حكمت أبوزيد وهى وزيرة الشئون الاجتماعية أنها أقامت مشروعات الأسر المنتجة والرائدة الريفيات.
وقامت بحصر الجمعيات الأهلية ووضع قانون رقم 45 لسنة 4691 للجمعيات الأهلية، وفى عام 9691 أشرفت على مشروع تهجير سكان النوبة إلى سهل كوم أمبو بعد تعرضها للغرق نتيجة بناء السد العالي.
أول من أطلقت القصر على بيوت الثقافة
تقول حكمت أبوزيد: أصدرت قراراً بإطلاق اسم قصر على بيوت الثقافة المنتشرة فى المدن والمراكز وقد أبلغنى الدكتور ثروت عكاشة إعجاب الرئيس وشكره على هذا القرار الذى خفف من وقع كلمة قصر على آذان البسطاء لارتباطها بالقهر فأصبحت الآن مرتبطة بالنشاط الثقافي.
تكريمات عربية
بعد عودة الدكتورة حكمت أبوزيد إلى مصر وجهت لها دعوة من الرئيس الليبى معمر القذافى فأقيم لها ولزوجها احتفال تاريخي، ومنحت خلاله أنواط الفاتح العظيم من الدرجة الأولي، وهو النوط الذى لا يمنح إلا لرؤساء الدول، كما وجهت لها دعوة أخرى من ملك المغرب الملك الحسن لحضور احتفال عظيم تم فيه منح السيف الذهبى من الذهب الخالص الذى لا يملك غيره إلا الملك الحسن الخامس شخصياً.
رشحها مصطفى أمين
أمامى روايتان مختلفتان عن الأسباب التى دعت الرئيس عبدالناصر لاختيار حكمت أبوزيد لتكون أول وزيرة مصرية.
الرواية الأولى مصدرها الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين، حيث ينسب لنفسه أنه أول من رشحها لعبدالناصر ودله عليها.
وفى التفاصيل يروى مصطفى أمين أنه اقترح على الرئيس أن يستثمر القبول الجماهيرى لدخول المرأة فى البرلمان، ونجاح النائبة الأولى راوية عطية فى أدائها تحت قبة البرلمان، فلماذا لا يكون لمصر السبق العربى أيضاً فى تعيين أول وزيرة مثلما عينت أول نائبة..؟!
واقتنع عبدالناصر بالفكرة وتحمس لها، وحدث أن دخل عليهما يومها المشير عبدالحكيم عامر، فطلب عبدالناصر من ضيفه أن يعيد على عامر فكرته بشأن تعيين امرأة وزيرة فى الحكومة، وفوجئ بعامر يخلع حزام بدلته ويلوح به غضباً ويحلف بعلو صوته: على الطلاق لو ست دخلت مجلس الوزراء لأخرج أنا منه!
غضب ورفض المشير
أمام غضب المشير ورفضه القاطع تأجلت الفكرة، إلى أن فوجئ مصطفى أمين باتصال تليفونى من الرئيس بعدها بعام أو عامين «لم يحدد بالضبط» يخبره بأنه تقرر تعيين المشير نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنه سيترك منصبه كوزير للحربية، وبالتالى سيترك مجلس الوزراء، مما يعنى أنه لم يعد ما يمنع من تعيين وزيرة فى الحكومة، ويطلب منه أن يعود إلى أرشيف الجريدة ويرشح له عشر سيدات يصلحن لمنصب الوزيرة ليختار منهن واحدة فى الحكومة القادمة.. واختار مصطفى أمين ـ حسب روايته ـ المرشحات العشر، ذكر منهن الكاتبة الكبيرة أمينة السعيد، والسيدة فاطمة عنان المفتشة البارزة بوزارة المعارف، وكان اسم حكمت أبوزيد فى ذيل القائمة، وأرسل الملفات إلى الرئيس، ولكنه فوجئ بأن عبدالناصر اختار المرشحة الأخيرة، ولما سأله عن سر هذا الاختيار، كان رد الرئيس وتبريره: لأنها «أوحش واحدة فيهم»!
هذه هى رواية مصطفى أمين، وهى رواية متهافتة وفيها قدر من الخيال، وليس عليها شهود ولا دليل، بل تبدو بعيدة عن المنطق، كما أنها تقدم عبدالناصر فى صورة مع زعامته الطاغية وما عرف عنه من سطوة فى الرأي، فيخضع لغضب عامر ويتراجع عن فكرته ويؤجل قراره، وعندما يجدده فإن منطق اختياره لأول وزيرة يبدو هزلياً، ولا يتناسب مع نيل القرار الذى كان الغرض منه إنصاف المرأة المصرية وليس الإساءة لها!
الرواية الثانية
ولذلك نميل إلى الرواية الثانية، والتى كان مصدرها د.حكمت أبوزيد نفسها، والتى لم تكن حينها «نكرة» كما يتبادر من رواية مصطفى أمين، إذ أنها امرأة تحمل أعلى الشهادات العلمية من أرقى الجامعات الإنجليزية، وتشغل درجة أستاذة بجامعة عين شمس، ولها رصيد وطنى لا يخفى على أحد، فقد شاركت بدور فعال فى المقاومة الشعبية لصد العدوان الثلاثى عام 6591، كما كانت من بين 6 ستات تم اختيارهن فى أول مجلس لمحافظة القاهرة مع صدور قانون الإدارة المحلية.. ثم كان اختيارها ـ فى سنة 1691 ـ لتكون ضمن لجنة المائة من صفوة العقول المصرية لمناقشة ميثاق العمل الوطني، وفى واحدة من تلك الجلسات امتلكت الجسارة بأن تدخل فى نقاش مع الرئيس عبدالناصر وتختلف معه فى الرأي، حيث أبدت تحفظها على ما جاء فى الميثاق من نقد «للمراهقة السياسية والفكرية»، وعلى ما جاء فى كلمة الرئيس بأن الفكر يجب أن يسبق الانفعال والحماس، وقالت بثقة إن المرحلة الانفعالية والحماس الجماهيرى مطلوب ويجب أن يسبق الفكر، ولا ينبغى أن تنفصل السلطة عن الشعب وتكون فى واد والناس فى واد آخر.. وعلى امتداد ربع ساعة دخلت حكمت أبوزيد فى نقاش مع الرئيس، حوار شاهده الشعب كله بحكم أن الجلسة كانت مذاعة تليفزيونياً وعلى الهواء مباشرة، وكان زوجها المستشار محمد الصياد يتابع الحوار عبر الشاشة من بيتهم القريب من مبنى محافظة الجيزة، ولاحظ أن الرئيس دون اسم حكمت أبوزيد فى ورقة صغيرة أمامه، ولما عادت أخبرها بملاحظته، وأن تفسيرها المؤكد هو أنه سيرحشها لمنصب مهم، خاصة أن علامات الارتياح والإعجاب كانت بادية على ملامحه طوال المناقشة.
وسافرت بعدها حكمت أبوزيد مع زوجها لقضاء إجازة صيف فى «رأس البر» وفوجئت ذات صباح بسيارة غامضة تقف أمام الشاليه وينزل منها رجل أنيق يخبرها برقة غامضة أنها مطلوبة فوراً فى مكتب السيد على صبري.. وفى مكتب وزير شئون رئاسة الجمهورية والرجل النافذ فى النظام كانت على موعد مع التاريخ، فقد أخبرها أنه تم تكليفها بوزارة الشئون الاجتماعية، لتكون أول وزيرة فى تاريخ مصر، وثانى وزيرة عربية بعد العراقية نزيهة الديلمى «أول وزيرة عربية فى حكومة عبدالكريم قاسم سنة 9591».
وفى 52 سبتمبر 2691 وقفت حكمت أبوزيد لتؤدى القسم أمام الرئيس، وهى اللقطة التى كانت تتصدر صالون بيتها، وتصافح فيها الرئيس، وكأنها اللحظة الأعظم فى حياتها.
لم يكن اختيارها للوزارة تشريفاً، فقد اعتبرته حكمت أبوزيد تحدياً، ليس لها شخصياً، بل للمرأة المصرية نفسها، ولذلك لم يكن أمامها خيار آخر غير النجاح وإثبات جدارة المرأة بمنصب الوزيرة، ولذلك ظلت لشهرين بعد تكليفها بالوزارة تدرس كل ملفاتها، ولم تجلس على الكرسى إلا بعد أن اطمأنت إلى أنها جديرة به وقادرة على أعبائه.
وإذا كانت هناك روايتان لاختيارها للمنصب، فإن الذى لا خلاف عليه هو حجم الإنجاز والإبداع الذى أثبتته أول وزيرة مصرية، فما قدمته حكمت أبوزيد خلال تجربتها وسنوات توليها وزارة الشئون الاجتماعية هو أمر جدير بالإعجاب، بل يمكننا أن نقول بكل ثقة إن هذا النجاح جعل وزارة الشئون الاجتماعية «التى تغير مسماها إلى وزارة التضامن الاجتماعي» محجوزة دائماً للمرأة، فكل من شغل المنصب تقريباً منذ عهد حكمت أبوزيد حتى الآن من النساء، فكانت التالية د.عائشة راتب «2791» وصولاً إلى الوزيرة الحالية مايا مرسى.
لعل على رأس تلك الإنجازات مشروع الأسر المنتجة، الذى يحمل بصمتها، وكان سبباً فى إنقاذ آلاف الأسر الفقيرة من العوز وتحويلها إلى أسر منتجة، وعن هذا المشروع حكت:
استلهمت الفكرة من سيلان «سيريلانكا»، فقد طلب منى الزعيم أن أزور «باندرانيكا» الزعيمة السيريلانكية ووجدت لديهم مشروعاً تعمل فيه الأسر بكامل أفرادها وتتعلم كيف تدر دخلاً ولا تعتمد على المعونات.. وطبقت الفكرة فى مصر.. وأعلنت يومها أن المجتمع الاشتراكى مجتمع لا يعرف الإعانات ولا الصدقات.. وتحولت الوزارة بالفعل إلى وزارة الأسر المنتجة.
دورها والسد العالى
ولا يمكن أن ننسى لها مشروعاتها الرائدة: محو الأمية، الرائدات الريفيات، مؤسسة رعاية الأحداث.. ثم كان جهدها الأسطورى فى مشروع السد العالى بنقل قرى النوبة وتهجير سكانها والمحافظة على هويتهم وتراثهم، بمعجزة أشادت بها المنظمات الدولية، ولنسمع تفاصيلها من حكمت أبوزيد وبنص كلامها: (قرر عبدالناصر تهجير شعب النوبة فى عام 0691 من المنطقة الجبلية جنوب أسوان إلى شمالها حتى كوم أمبو وما حولها.. وكانوا معرضين للغرق منذ عام 9391 حين تعلية خزان أسوان.. وقال عبدالناصر لشعب النوبة قولته الشهيرة «ستكون هجرتكم كهجرة المهاجرين إلى الأنصار».. ولا أنسى هذه الكلمات التى هزتني.. وانطلقت أترجمها إلى مشروع متكامل يبنى النوبة الجديدة مراعياً سمات الجغرافيا التى كانت عليها قراهم القديمة وأواصر الجيرة والقرابة بينهم حتى يظل النسيج الاجتماعى كما كان.. ونقلنا حتى النخيل والقطط والكلاب والطيور التى كانت لديهم.. وواكب هذا المشروع دورات تثقيفية مكثفة لفتيات القرى فى معسكرات استهدفت إقناعهم بهدف التهجير وهو بناء السد العالى وتوعيتهم بكيفية إتمام الهجرة.. وأخذنا رجال القرية وخصصنا لكل منهم ٥ أفدنة فى المجتمع الجديد ومنزلاً مكوناً من طابقين.. وأطلقنا نفس أسماء القرى القديمة على قرى المجتمع الجديد.. وتم المشروع الذى جندت من أجله وزارات الإسكان والصحة والزراعة واستصلاح الأراضى حتى قال عنى الزعيم أثناء لقائه بالسيدة «باندرانيكا» رئيسة وزراء سيريلانكا التى أظهرت انبهارها بالتجربة «إنها عبأت كل إمكانيات الدولة.. إنها قلب الثورة الرحيم».. وجرى تدريس نجاح تجربة مشروع النوبة فى الجامعات الكبرى وأجريت عليه أبحاث للماجستير والدكتوراة).
وتتوالى إنجازات حكمت أبوزيد وأدوارها الوطنية، وتجلت فى مشروع رعاية أسر الشهداء والمقاتلين بعد هزيمة يونيو 7691، فقد التقطت الإشارة من تصريح لعبدالناصر، فحولته إلى مشروع وطني.
كانت خطب وتصريحات عبدالناصر خطة عمل وبرامج علينا إنجازها.. كنت أقرأ فى صوته وصورته ما يمكن أن أترجمه فوراً إلى عمل.. لا أنسى فى إحدى زياراته إلى الجبهة فى حرب الاستنزاف قوله لى «الأولاد ليس لديهم رغبات.. لكن عندهم حاجات تتعلق بأسرهم وأولادهم.. وأنا أنظر فى عين الواحد منهم وأشعر وكأنه يريد أن يقول لى شيئاً.. وأسأله: ماذا بك.. فيرد: أريد أن يدخل أبى المستشفي.. ويسجل الرئيس.. ويستطرد.. أنا لا أستطيع أن أخذل هؤلاء».. وفهمت الرسالة وكونت على الفور لجان رعاية المقاتلين وأسرهم.. ودبت روح دافقة فى المجتمع.. وملأت تبرعات المصريين للمقاتلين مخازن الاتحاد الاشتراكي.
كانت جسورة فى قراراتها، حتى إنها تجاوزت مرة السيد على صبري، رغم علمهابنفوذه وما يمكن أن يجره عليها هذا التجاوز من ضرر وأذى ربما يكلفها منصبها نفسه، فقد طلبت مقابلة عاجلة مع الرئيس لتشكو له من مدير مؤسسة رعاية الأحداث فى المرج، وكان شخصية قوية ويتمتع بصلات مع شخصيات نافذة منها على صبرى نفسه، واشتكت للرئيس أنه يعرقل جهدها فى تطوير المؤسسة وطلبت إعفاءه، واستجاب لها عبدالناصر فوراً!
بعد الانفصال كنت أشعر بمدى الشرخ الذى أحدثه فى قلب عبدالناصر.. لذلك أعلنت رفضى لتجربة الوحدة بين مصر وسوريا للمرة الثانية.. وقلت رأيى أمام الزعيم وفى حضور الرئيس حافظ الأسد الذى كان يجلس بجوارى لدرجة أنه مال على وقال هامساً «لا أستطيع أن أعود إلى سوريا بدون الوحدة.. ابنتى قالت لى لا ترجع بدونها.. علشان خاطري».. كان عبدالناصر مؤمناً بوطنيتها وكفاءتها.. وكانت هى أشد إيماناً بزعامته.
آمنت حكمت أبوزيد بالناصرية مشروعاً وزعيماً، كان عبدالناصر بالنسبة لها: زمن الحلم والأمل والهيبة، إنه عندها مشروع وطنى خالص لا بديل عنه، ولذلك كانت من رجال عبدالناصر الذين اختلفوا مع السادات وسياساته، خاصة مع ظهور سياسة الانفتاح الاقتصادي.
رحلة نضال طويلة
الدكتورة حكمت أبوزيد هى أول وزيرة فى مصر وثانى وزيرة فى العالم العربي، مضت رحلة النضال لأكثر من سبعين عاماً، بين الشهرة والبناء والنضال الوطنى بالإضافة إلى النفى والتجريح، شخصية ثرية عالمة جامعية ووزيرة مسئولة بالدولة ولاجئة سياسية.
كان والدها ناظراً بالسكك الحديدية اهتم بابنته ووفر لها إمكانية السفر يومياً من قريتها لبندر ديروط لتتلقى التعليم بالمدارس الابتدائية والإعدادية حتى جاءت المرحلة الثانوية فتغربت الدكتورة حكمت أبوزيد عن أسرتها لتكمل مسيرتها التعليمية بمدرسة حلوان الثانوية بالثلاثينيات من القرن الماضي، ولم يكن بحلوان حينذاك مدن جامعية فأقامت بجمعية «بنات الأشراف» التى أسستها الراحلة الزعيمة نبوية موسي.
المناضلة الصغيرة
خلال دراستها الثانوية تزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الانجليز والقصر مما أثار غضب السلطة ففصلت من المدرسة واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالإسكندرية.
وفى عام 0491 التحقت بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول، وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين الذى تنبأ لها بمكانة رفيعة فى المستقبل لملاحظته قدرتها العالية فى المناقشة الواعية ورغم محاولته إقناعها بالالتحاق بقسم اللغة الفرنسية لتفوقها فى هذا المجال وكونها خريجة مدارس أجنبية بالإسكندرية إلا أنها فضلت العلوم الاجتماعية لاهتمامها الوطنى بالمجتمع الإنسانى ومعرفتها منذ الصغر بأهمية أن يكون لها رؤية ورسالة واضحة بالحياة.
لم تكتف حكمت أبوزيد بهذا القدر الهائل من التعليم، بل حصلت على دبلوم التربية العالى بالقاهرة عام 4491 ثم حصلت على الماجستير من جامعة سانت آندروز بأسكتلندا عام 0591 حتى حصلت على الدكتوراة فى علم النفس من جامعة لندن بإنجلترا عام 5591م.
الكفاح الوطني
فى عام 5591م عادت لمصر وتم تعيينها فوراً فى كلية البنات بجامعة عين شمس وفى نفس العام انضمت الدكتورة حكمت أبوزيد إلى فرق المقاومة الشعبية حتى حدثت حرب 6591م فبدأت تتدرب عسكرياً مع الطالبات وسافرت إلى بورسعيد مع سيزا نبراوى وإنجى أفلاطون وكن يشاركن فى كل شيء من الإسعافات الأولية حتى الاشتراك بالمعارك العسكرية وعمليات القتال العسكري.
فى عام 2691 م اختيرت عضواً فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى2691 م ومن خلال ذلك دارت مناقشاتها حول بعض فقرات الميثاق الوطنى مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكانت تميل إلى الخلاف فى الرأى مع الزعيم الراحل حول مفهوم المراهقة الفكرية ودعم العمل الثورى مما أثار الإعجاب الشديد من قبل الزعيم عبدالناصر بها.
فى أوائل الستينيات أصدر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قراراً جمهورياً بتعيين الدكتورة حكمت أبوزيد وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية لتصبح أول سيدة فى مصر تتولى منصب وزير.
من أوراق
حكمت أبوزيد
– تولت منصب وزيرة الشئون الاجتماعية فى مصر عام 1962، أثبتت كفاءة منقطعة النظير لتفتح المجال للمرأة العربية بتولى المناصب القيادية.
– حولت الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة ومدت نشاطها لجميع القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع للوزارة، وأسست مشروعات من بينها مشروع الأسر المنتجة، مشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة الريفية، كما قامت بحصر الجمعيات الأهلية كما وسعت أنشطتها وخدماتها التنموية.
– ساهمت فى وضع قانون 64 وهو أول قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية فى عام 1964، عند وقوع نكسة 1967 كُلفت بالاهتمام بالرعاية الاجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة المصرية، أشرفت على مشروع تهجير أهالى النوبة بعد تعرضها للغرق فى عام 1969.
– أستاذة جامعية سابقة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فى الستينيات.
– عملت أستاذة بجامعة الفاتح وحصلت على نوط الفاتح العظيم.
– عضوة مجلس إدارة جمعية الأمم المتحدة بالقاهرة (1972 – 1975).
– عضوة المجالس القومية المتخصصة للخدمات والشئون الاجتماعية (1974 – 1975).
– رئيسة الجمعية المصرية للتكافل الثقافى بالقاهرة عام 1967.
– عضوة المجلس التنفيذى للاتحاد العالمى للمشتغلين بالمهن العلمية على مستوى العالم بباريس عام 1973.
– عضوة لجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة.