وكأن المجتمع المصرى ينزف ملامحه التقليدية التى نعرفها، لم يعد المجتمع كما كان من قبل، هناك تغييرات جذرية بدت ملامحها ومظاهرها فى سلوكيات الناس، لم يعد هناك وجود لمفردات مثل “عيب” ” اختشى” “ميصحش” “لامؤاخدة“، والأخطر من غياب هذه المفردات جميعها هو غياب مصطلح السمو المعرفى الشعبوى ” الله أعلم ” حيث كان الناس عندما يسمعون شائعة أو خبرا أو قصة يتوقف بقوله ” الله أعلم ” لكن الناس فى بلدى باتوا عازفين عن إرجاع الأمر إلى من يعلمون الحقيقة، وبات كل منهم يزعم أنه عالم ببواطن الأمور – كل الأمور – من العلاقات الأسرية إلى العلاقات الدولية، كنا ونحن صغار نحترم الكبير ونجله ونعرف دوما أن هناك كبارا يعرفون الأصول ولا يتعدونها، وكان دوار العمدة مكانا لإحقاق الحق، كانت الدولة متماسكة اجتماعياً من لبناتها الصغيرة ومكوناتها الدقيقة إلى اعلى الهرم المؤسساتي، كانت الشائعات شحيحة وغير مؤثرة، وكانت العقول صافية والقلوب لا تحمل إلا الحب والتسامح، اليوم أشعر بأننى فى مجتمع غير المجتمع الذى تربيت فيه، أشعر بعدم الأمان تجاه ثوابتنا الوطنية والثقافية والمجتمعية، القلق يساورنى على ثوابت وحوائط وأعمدة المجتمع، الاسرة المصرية فى خطر، وسائل التواصل ومن يحركها والجالسون خلف الشاشات يعبثون غير عابئين بقيمة او فضيلة، فكل الأشياء مستباحة وكل الأشخاص مستباحون، حتى وصلت الوقاحة مداها بتخوين الدولة الرسمية من قبل شرذمة قليليون، على مدار الساعات الماضية اشتدّت المعركة بهدف تشويه الموقف المصرى تجاه مجمل قضايا المنطقة، فكانت فتنة الباخرة الألمانية كاثرين ولم ينته الحديث عن اصل الحكاية حتى كانت قناة السويس والحديث عن اكاذيب وأباطيل التعاون مع الكيان الصهيوني، فى نفس التوقيت تم نشر عدة شائعات مرتبطة ببحيرة البردويل ودير سانت كاترين وبورصة تسليع المياه ورفع أسعار الغاز والمحروقات والحديث عنها بطريقة تؤدى إلى التشكيك فى إجراءات الدولة لتخفيف العبء على كاهل الناس، كل هذه الشائعات تضافرت ودخلت من الأبواب والنوافذ والثغرات بشكل مكثف وممنهج ومخطط، لكن الغريب ان هناك قطاعات عريضة من المجتمع قررت ان تصدق بعضا من هذه الشائعات وترددها وهى تعلم انها كاذبة ومختلقة، أمر جديد لم يكن موجودا من قبل، هنا الخطر الحقيقى الذى أرصده يتوغل فى أنسجة المجتمع وبدأت ملامح المجتمع تتغير بسرعة وكأنها تنزف أمام أعيننا، المجتمع يتغير ويتبدل ياسادة امام أعيننا ونحن نهتم بأمور بعيدة عن جغرافية الفكرة الأساسية، فما تعرض له المجتمع خلال الفترة الماضية مهم جدا ان ننتبه إلى مصدره وآثاره، لكن الأهم والأخطر هو ردود فعل الناس وتفاعلهم مع ما يقال، نحتاج الدراسة بتعقل .