سعيدة بكل هذه المحبة والتفاعل مع الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، ولست هنا أقصد الإجازة الرسمية للدولة، ولكننى اقصد الإجازة المعنوية للمصريين، وشعورهم بأنه يوم للجميع، وبأن مصر هى أم لأبنائها مهما اختلف طريقهم الى محبة الخالق واختلفت طقوس عبادتهم، ففى النهاية لا أحد منا يمتلك أى فضل على غيره فى هذه المحبة، وكلنا فى محبة الله خاشعون نطلب منه ان يحمينا من شرور وغرور آخرين فى هذا العالم يمتلكون أسلحة ونفوذ تكفى لتقويض سلام دول وبلاد حولنا والإساءة لشعوبها، ونطلب منه أن يحمى مصر بلدنا الغالى الذى اصطفاه بحضور العائلة المقدسة حين ولد المسيح من العذراء مريم فى مدينة بيت لحم، وقرر ملكها (هيرودس) يومها قتل كل المواليد بعدما عرف ان من بينهم من سيكون ملكا ذات يوم فقرر ان يمنع هذه النبوءة، وهنا ظهر ملاك الله للقديس يوسف والسيدة مريم وطلب منهما الهروب بالمولود الى مصر لحمايته، وهو ما حدث فى بلدنا مصر المختارة، وحيث طافت العائلة المقدسة بأغلب الأراضى المصرية فى رحلتها الغالية وتخفت فى أماكن كثيرة حتى انتهى الخطر وعادت الى القدس بطفلها المسيح الذى احتفلنا بميلاده الثلاثاء أول أمس، وغدا سوف نحتفل بعيد الفطر المبارك بعد صيام رمضان الذى اقترب موعده، وهكذا تتقارب أعيادنا وتتعانق أفراحنا ربما بشكل لا يحدث فى اى مكان آخر فى هذا العالم، ومن المؤكد اننا كنا نشعر بذلك، أو بعضنا، بينما شعر البعض بغير هذا فى السنوات الماضية، وبعد سنوات تراجع فيها منسوب المحبة ليحل محله منسوب من الاختلاف، ومحاولة خلق مشاعر جديدة من العداء، وربما الكراهية، وهو ما بدأ فى نهاية السبعينات مع عودة الاخوان الى الساحة وجهدهم للاستيلاء على عقول المصريين، خصوصا طلبة وطالبات الجامعات المصرية، ووصولهم الى اغتيال السادات، الرئيس الذى أعطاهم الكثير فى يوم الاحتفال بانتصار مصر فى حرب أكتوبر المجيدة، ليشعر المصريون بصدمة كبري، وبعد سنوات نصل معهم الى اعلى منسوب للفرقة بيننا كمصريين فى عام حكمهم (والذى وثقه مسلسل الاختيار ببراعة).. ومع كل ما حاولوا بثه من فرقة بيننا كشعب، إلا ان الكثيرين منا رفضوا هذا، وخرجوا بعدها فى يونيو عام 2013 لإعلان رفضهم فى كل شوارع مصر، وكانت حكايات الرفض لها وقع السحر علينا وتؤكد اننا مازلنا على العهد بعضنا البعض فى القناعة والمحبة، وكانت علاقتنا بالسوشيال ميديا فى بدايتها وقتها ،فكان اعتمادنا على سماع حكايات بعضنا، وعلى التليفزيون، هى الاهم، لكن الأمور لا تتوقف عند نفس موقعها فى زمننا هذا.
اقترب حتى أراك
فى بداية هذا العام الجديد الذى بدأ منذ ايام، تحول الاعتماد الأساسى للتفاعل الاجتماعى من الزيارة المنزلية، والمكالمة التليفونية، الى الكتابة على الفيسبوك، أو الواتس والمواقع الأقرب إلينا، وليجتذب هذا كثيرين بيننا لم يكونوا مبادرين، أو مشاركين بالرأى فى أى حدث، ولكنهم امتلكوا الرغبة فى التعبير عن آرائهم، والكتابة، ومن هنا بدت المفارقة واضحة وضوح الشمس، فما تلقيته أنا وغيرى من التهانى بعيد الميلاد المجيد أضعاف ما كنت أتلقاه (على الرغم من تضييق صاحب الفيس علينا) وطبعا لا ننسى بعض رجال الأحزاب السلفية وتحذيرهم السنوى بعدم تهنئة المسيحيين باعيادهم، وكأن هذا كان كلمة السر لاهل المحبة فانطلقوا للتهنئة والسلام، ليبدو عيد للمصريين كلهم، وعزز من هذا حضور الرئيس السيسى للكاتدرائية الكبرى فى العاصمة الجديدة للتهنئة بالعيد، واللقاء بالبابا تواضروس والتفاعل الكبير معه بالرغم من انها لم تكن المرة الأولي، إلا انه حضور وتهنئة فى وقت صعب وزمن مختلف، تأكدنا كلنا فيه من أننا كمصريين قلب واحد ويد واحدة مهما اختلفت مفردات حياتنا، وصعدت الى السطح اشاعات تسعى لهزيمتنا والنيل من مصرنا.. وكياننا. فشكرا لخالقنا العظيم على محبتنا.. وتماسكنا.