بالحقائق نرد على المشككين
إرادة سياسية راغبة فى التقدم وتحقيق مناخ استثمارى آمن.. ورؤية مستقبلية واضحة المعالم
آلت الدولة على نفسها حل مشاكل المستثمرين بصورة آنية
فليست الأهمية فى اتخاذ القرارات وإنما الأهم هو التنفيذ الفعلى
مصر تخوض سباقًا عالمياً لجذب الاستثمارات الأجنبية فى ظل عالم يتطاحن
فى محاولة منه لجذب أكبر رقم من الاستثمارات
لا شك أن الجدل الدائر فى أوساط المجتمع والمحللين بخصوص إشاعة نبرة بيع أصول الدولة التى مرة تتحدث عن قناة السويس، ومرة عن الموانئ وأخرى عن المطارات تستدعى منا جميعاً أن نقف ونفكر ومن خلال الرؤية الفنية لمسار المشهد الاقتصادى سواء المحلى أو العالمى لأن كل الآليات الاقتصادية تعطلت بفعل التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على ملف الاقتصاد، وأصبح على كل دولة أن تبحث عن مقدراتها والاعتماد على نفسها فالكل عالمياً يحتاج إلى فهم جديد لحالة الفوضى التى فرضتها الظروف الراهنة وقد حرصنا من خلال هذا التحليل الفنى أن نعرض وجهة نظرنا فى مسألة التخارج وتأكيد أن الدولة المصرية لا تبيع أصولها وانما ما يحدث هو استغلال جيد لقدرات أصول غير مستغلة بنظام حق الانتفاع الذى يعمل به العالم كله الأهم أن هذا ليس رؤية المؤسسات الدولية التى نتحاور معها وإنما هى رويتنا وقرارنا نحن نستمع من خبراء الصندوق مثلا لرؤيتهم فى مسألة التخارج لصالح القطاع الخاص ونطلق مايتناسب مع ظروف الدولة، حتى مسألة الأطروحات الحكومية فهى لها أصولها، المهم أن تكون المعادلة فى النهاية تحقق الهدف منها، فنحن والعالم فى ظروف غير مسبوقة وقد تصل الأمور بالعالم كله إلى إدارة اقتصاد الكلفة الاقتصادية أو اقتصاد الحرب والذى يحتاج تدابير مختلفة وهنا لابد من وقفة لنرد على الوعى الجمعى وملء الفراغ الزمنى بين ما يقال عن بيع الأصول وحقيقة الأمر لا شك أن الكل يريد عودة الاستثمارات المباشرة بوتيرة جديدة وسريعة وهى من العوامل التى تعزز الاحتياطى النقدى لأى دولة وتشكل ركناً أساسياً ومؤشراً على نجاح الدولة فى استهداف وترويج الاستثمار وتؤكد أن إدارة الأزمة من قبل الدولة نتج عن دراسة واعية فى ظل ما يحدث من سلبيات على وضع الاقتصاد العالمى على خلفية سياسة التشديد النقدى والحرب الروسية – الأوكرانية وكان الهدف ان تمر الأحداث المتصاعدة عالمياً بأقل الخسائر وألا تغرد الدولة أبداً خارج السرب.
نحن نشترى المستقبل ولذلك هناك عوامل غير مرئية فى التخطيط الاستراتيجى لأى دولة والعالم كله يتطاحن فى رالى كبير وحالة طمع وصلت إلى ذروتها بسبب جلب الاستثمارات المباشرة.
الحقيقة أن الكلمة الدلالية الكبيرة هى كيف نتماشى مع حالة تخارج الدولة من بعض المشروعات ويمضى برنامج الأطروحات الحكومية بسلاسة وسلامة فالهرولة غير مطلوبة والبطء غير مطلوب وانما نحن بحاجة إلى فلسفة أو نهج علمى سليم نتخارج به فى ظل بقاء الدولة فى بعض القطاعات، فالكل ينادى بالتخارج السريع لصالح القطاع الخاص أو عدم التخارج ولكل وجهة نظره، خصوصاً بعد ماراثون الأقاويل الأخيرة التى سارت بشأن مشروع رأس الحكمة ولذلك رأينا عرض وجهة نظرنا وآراء الخبراء ولكن علينا النظر بعمق وعين فاحصة إلى تجارب الدول التى نجحت فى هذا الملف.
لمجرد أنهم لم يحققوا مصالحهم وهذا ما نحاول الوصول إليه، فالتخارج لصالح القطاع الخاص له أصول علمية وعملية وأركان أساسية فى شراء المستقبل.. لذلك.
الامر فى غاية الغرابة .. هل حقاً تريدون التخارج أم لا ؟
إن الاستثمار الحقيقى قائم على لغة واحدة فقط ألا وهى مصلحة الوطن والمنافع المتبادلة من عملية التخارج، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء فى خلال السنوات الماضية كان الحديث الأساسى الرسمى الذى لا يعلو عليه صوت و الكل يطلقه فى صيحة واحدة بضرورة جلب الاستثمارات الأجنبية بل وكنا نسمع سيلاً من النقد المستمر والموجع على رأس الدولة وظهور الحكومات المتتالية بسؤال واحد فقط أين الاستثمارات ولماذا لا تتخارج الدولة و تعطى الفرصة الكاملة للقطاع الخاص للعمل والاستثمار وأن القطاع العام لديه خسائر .
لكن فجأة نجد أن البعض اليوم عاد ليتحدث بلغة أخرى خاصة بعض الفئات الذين يتعاملون مع الاقتصاد بلغة العواطف بعيداً عن لغة المصلحة و المنفعة المتبادلة.
والأخطر هى الظاهرة التى زادت هذه الأيام فقد نصب المحللون وبعض المتحدثين أنفسهم فى باب التقييم والجلاد الواقف، وبدأ يهاجم الدولة والحكومة ويعتبر عدم التخارج السريع مؤشر تقييم النجاح وبدأت حملات كثيرة على عقول البسطاء من الناس والتشكيك واتهام الدولة بالسيطرة على الاقتصاد وإغلاق الأبواب أمام الاستثمار الأجنبى ورفض منح فرصة كاملة للقطاع الخاص .
وعندما همت الدولة بعملية الاطروحات والتخارج من الاقتصاد بطريقة تدريجية صحيحة وفتح الباب أمام المستثمرين الذين لديهم جدية حقيقية سواء أجانب أو محليين انقلبت الدنيا مرة أخرى وكان هؤلاء من دعموا التخارج والاستثمار فى البداية هم نفس الفريق الذى يتهم الدولة ببيع أصولها وممتلكاتها لأجانب أو عرب، نفس الفريق الذى اتهم الدولة من قبل بالتقاعس عن عملية الاطروحات والتخارج وفتح آفاق الاستثمار ونصبوا انفسهم كعباقرة يفهمون وحدهم فى كيفية التخارج و هو ما افقدهم مصداقيتهم أمام كل المصريين الذين احتاروا فى الأمر ونسى وغفل هؤلاء ان المواطن البسيط يفهم أن التخارج له أصوله.
اصبح حال الاقتصاد المصرى منقسماً كالمذاهب أو النخب أو الفصائل وهم أصحاب الفكر الحصرى للفهم والقدرة والاستحقاق الاقتصادى وهو كارثة تعتبر أكثر فتكاً من العدوى المرضية لأنها تؤدى الى خلل فى مجتمع الأعمال كله فالأمر بين من يقول إن التخارج يعتبر إنجازاً رافعاً للدولة المصرية وقد تأخرنا فيه ويجب الإنجاز سريعاً ، الفريق الآخر يرى التخارج كارثة وأن الدولة تتخلى عن الحماية الاجتماعية والاسر الأشد احتياجاً والفريق الثالث يرى أنها بيع للثوابت الوطنية وأن بيع أصول الدولة يصل الى التشكيك فى الوطنية والفريق الأخير الذى بين الطريقين وظيفته الإحباط والبكاء على الماضى ويرفض الواقع الذى يعيشه الاقتصاد العالمى .
وكل هذه الآراء المتعارضة تصب فى معسكر واحد وهو قوى الشر التى تتربص بالدولة المصرية من أجل نشر روح الإخفاق وإذاعة الفوضى والفشل والغريب أن من يروج الشائعات لا يفهم بالأصل فى عملية التخارج ولا يعرف ان هذا الأمر له أصوله كما يفعل العالم كله حتى فى الدول الشيوعية ولكن هؤلاء يسعدهم صناعة حالة الارتباك والتشكيك .
وعندما بدأت الدولة المصرية تمارس حقها الطبيعى فى وضع بعض المناطق السياحية كأرقى المقاصد على ساحل البحر المتوسط والعالم كله ووضعها خلال 5 سنوات على خريطة العالم السياحية قامت الدنيا ولم تقعد المؤكد الآمر لابد أن يأخذ وقته ويجب أن يعلم الجميع أن التعامل مع صناديق الاستثمار العالمية لابد ان يتوافق مع معايير منضبطة طبقاً للمعايير العالمية ومن هنا بدأت معركة الفرق والمذاهب والفصائل الاقتصادية وبدأت الخروج للإعلام بتصريحات وآراء وكأنها معركة وتم تغليف الأمر على أن الدولة تبيع أصولها للغرباء .
اصبح المواطن البسيط لا يفهم ما يرددونه فليس لديهم حجة تفهم لا بالتفكير أو التأصيل العلمى أو الاقناع الواعى ووقع الجميع فى مصيدة فكر هؤلاء، ورغم أن هناك تجارب فى الدول العربية والأجنبية لكن لا يتحدث عنها أحد فقطر مثلاً من أهم المستثمرين فى بريطانيا وتبلغ استثماراتها حوالى 50 مليار جنيه استرلينى وفى فرنسا استثماراتها حوالى 30 مليار يورو وهذه إحصائية رابطة «كادران» القطرية الفرنسية معظم هذه المشروعات مشروعات سياحية وعقارات وامتلاك ناد رياضى من اكبر اندية كرة القدم «باريس سان جيرمان» وعدد من شركات الطيران الرائدة والوطنية ، فهل احتلت قطر فرنسا أو إنجلترا، كذلك المملكة العربية السعودية وفق مصادر سعودية فإن استثماراتها تجاوزت الــ 60 مليار جنيه استرلينى ما بين مشروعات سياحية وعقارية واسهم فى مطارات شهيرة أما الامارات العربية فقد تجاوزت استثماراتها الـ 15 مليار جنيه استرلينى بجانب امتلاك أكبر ناد رياضى فى بريطانيا والعالم أجمع، فهل الاقتصاديون فى هذه الدول هاجموا الدولة مثلما يفعل الخبراء لدينا و إذا نظرنا إلى حجم استثمار الصين فى أمريكا و هما العدوان المتناحران دوماً و تعتبر أمريكا نفسها رئيس مجلس إدارة العالم ولكن حجم الاستثمارات الصينية فى أمريكا القوة الاولى عالمياً يبلغ 800 مليار دولار فى السندات بالإضافة الى الأراضى والمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية وهو ما أعلنته وزيرة التجارة الامريكية «جينا ريموندو» بنفسها فى سبتمبر 2023 فى بيان لها وأكدت أن الصين تمتلك أراضى ومبانى داخل الولايات المتحدة الامريكية، لابد لكل الفرق سواء التى تعزز الاستثمار أو ترفضه ان تتفهم المخاوف المشروعة وأن الأمر يجب ان يتم طبقاً لقواعد وأصول علمية فالاستثمار مفتاح لإحداث نهضة اقتصادية كبرى بمصر وغيرها فالمستثمر لن يحمل المشروع ويخرج به عندما يقرر ان يرحل ولذلك لابد من التروى ومزيد من الوعى والفكر وتوصيل الفهم الصحيح لعموم المصريين بدلاً من إثارة الجدل والتشكيك بالوطنية أو التقاعس عن جلب الاستثمارات .
لاشك ان الدولة المصرية تخوض سباقًا عالمياً لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة ويجب ان نضع فى اعتبارنا ونحن نعمل على ملف الاستثمار والتخارج والاطروحات ان العالم يتطاحن فى محاولة منه لجذب أكبر رقم من الاستثمارات بما لديه من محفزات بعد عملية الاكراه الاقتصادى التى مارستها السياسات التشددية النقدية والتى أدت الى خروج الأموال الساخنة ولكن الدولة المصرية جادة نحو تحقيق أهدافها للوصول الى اقتصاد قوى قادر على المنافسة والنمو لما يتمتع به من مزايا متعددة تسمح بتنمية روافده للمساهمة فى زيادة الإنتاج والتنمية لمزيد من خفض البطالة بما يؤثر بشكل مباشر على زيادة الناتج القومي، فالارتباط الوثيق بين الاستثمار والاقتصاد يجعلنا نفكر جيداً ، فالنمو الذى يحدث للاستثمار ينعكس على الاقتصاد ويزيد من قدرة الدولة المصرية على تحسين حلمها فى التصدير ودعم الميزان التجارى بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية للاستثمار مما يؤدى إلى إستقرار الاقتصاد .
إن التسلسل المنطقى والأدلة الإيجابية والاستقراء العلمى لعملية التخارج يعطى دلالات وأبعاداً ان الدولة المصرية عليها اتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق طفرة حقيقية فى عملية جذب وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى وإيجاد علاقة للربط بين أدوات الاستثمار وبناء قاعدة إنتاجية متنوعة وتحقيق تطور اقتصادى حقيقى وشامل.
إن الامر الخاص بقضية القطاع الخاص يعكس وجود إرادة سياسية راغبة فى التقدم وتحقيق مناخ استثمارى آمن ورؤية مستقبلية واضحة المعالم تعمل على جذب الاستثمارات بشكل يدعم توافق وتوازن الأجهزة المعنية بعملية الاستثمار والذى يشير الى الاتجاه الاقتصادى الجديد الذى نريد أن تسلكه مصر فى إيديولوجية جديدة تتيح المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص وذلك لتأثير الاستثمارات فيما يخص مؤشرات الاقتصاد الكلى وسعر صرف العملة لصالح زيادة المعروض من العملات الصعبة وزيادة الإنتاج وتقليل فاتورة الواردات وزيادة الصادرات مما يؤثر ايجابياً على معدلات البطالة والاستقرار الاقتصادى والاجتماعي.
نحن نحاول إحداث نقلة نوعية فى مختلف القطاعات والمجالات فى ظل مؤشرات وحقائق خاصة بالاستثمار فى مصر والإجراءات الاستثنائية التى اتخذتها الدولة المصرية ومقترحات الحوافز والتيسيرات لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات لكافة القطاعات وليس لقطاع واحد، فنحن أمام اقتصاد متنوع ذى أبعاد كثيرة ففى ظل تخفيض تكلفة تأسيس الشركات والحد من القيود المفروضة على التأسيس كذلك الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها وتسهيل ملكية الأراضى والتوسع فى اصدار الرخص الذهبية.
لقد اتخذت الدولة آليات مهمة لعملية الاستثمار فى ضوء ما تشهده الملفات العالمية فى نفس النطاق ..
1 – تعزيز إطار الحوكمة والشفافية.
2 – السعى الى الحياد التنافسى فى السوق المصرية.
3 – تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.
4 – تخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين.
5 – مسألة التحفيز للاستثمار المحلى والأجنبي.
6 – توسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية.
7 – إنشاء منصة واحدة إلكترونية لـتأسيس وتشغيل وتصفية المشروعات.
لقد قررنا كسر قواعد البيروقراطية فى عالم يلهث فيه الجميع للاستثمار وضخ الأموال فى جسد الاقتصاد القومى لأى بلد و لقد رتبت الدولة المصرية أولوياتها فى هذا المنحنى لزيادة ضخ استثمارات القطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة لرفع سقف الاستثمارات الى حوالى 65٪ من استثمارات الدولة فقد بلغت الاستثمارات المقدرة خلال عام 23 / 24 تريليوناً و64 مليار جنيه وهو رقم معتبر تحاول الدولة المصرية تحقيقه بل وزيادته.
لقد آلت الدولة على نفسها حل مشاكل المستثمرين بصورة آنية فليست الأهمية فى اتخاذ القرارات وإنما الأهم هو التنفيذ الفعلي، فالوقت أصبح له قيمة وليس فى صالح أى دولة فى ظل الظروف العالمية الراهنة وإدراكاً وعطفاً على ما سبق فإن الأحداث المتصاعدة فى العالم فى ظل الصراعات الجيوسياسية تؤكد أن الحل لابد ان يكون سريعاً ولكن بإطار علمى فلا نكون متعجلين وفى نفس الوقت ألا نتأخر لضمان قاطرة التنمية.
ويتبقى السؤال الحائر: هل تريدون التخارج أم لا وإذا حدث لابد أن يتم بضوابط وشروط تصل بنا إلى المستهدف وهو شراء المستقبل بكل تؤدة وهوادة وبدون بهرجة وبعيدا عن كل آراء الخبراء المتعارضة، فالقيادة السياسية وقناعاتها دوما تنتصر لأصحاب البيت.
كان لزاماً علينا أن نملأ هذا الفراغ الزمنى الفسيح بين ما يقوله البعض والحقيقة الواقعة و«إلى تحليل آخر».