تتميز كاتبة الأطفال نجلاء علام بأنها صاحبة رؤية تمزج فيها الأفكار الحديثة والعصرية بروح الأم وصورتها القديمة الموروثة فى الأذهان ، علام مقررة لجنة الطفل بالمجلس الاعلى للثقافة ورئاسة تحرير مجلة قطر الندى التى تصدر عن هيئة قصور الثقافة، لها عدد كبير من إصدارات الطفل ، وهى لم تكتف بإنتاجها للطفل بل كتبت الرواية والقصة القصيرة.
– صدرت لك الكثير من الكتب للأطفال، وصدر لك حديثا رواية «الدائرة» لليافعين، ما الاختلافات الأساسية فى الكتابة للسن الأكبر «اليافعين»؟
الطفل فى السن الصغيرة يبحث عن الفكرة الطريفة والإيقاع السريع واللغة البسيطة، والمعنى الواضح، أما فى مرحلة اليافعين فهى مرحلة تكوين الشخصية والتفتح على المجتمع، وانتقاء المواهب والتمسك بها، وخصائص الكتابة لهذه المرحلة تنبع دائمًا من رؤية ووجهة نظر الكاتب أو الكاتبة عن المغزى من الكتابة لليافعين، ووفقًا لرؤيتى فإن خصائص أدب اليافعين تضم: الفكرة المغايرة، ملامح شخصية رئيسية يرتبطون بها، أحداثا مشوقة، لغة معبرة، مستويات تلقى مختلفة تجعل القارئ يعود للعمل الأدبي، قدرة على الحكى متدفقة، وبالطبع قيم إنسانية مغلفة داخل الإطار الفني.
أما روايتى الدائرة فقصدت من خلالها معالجة عدة قضايا تهم البافعين مثل مراحل تكوين الشخصية، وكيفية قيادة المشاعر والأحاسيس، من خلال فتى مشتت الذهن، يحاول بدء صفحة جديدة من حياته، تلاحقه الأحلام والرؤي، تدفعه كى يعيد النظر فى مواقفه وتصرفاته، تصاحبه الأحلام فى رحلة تكوين شخصيته، ثم تتوالى أحداث الرواية التى تؤكد على مراحل نضج الشخصية والتعلم من التجربة والخطأ.
– مع وجود التكنولوجيا، والكثير من الأمور التى تشتت الطفل عن القراءة، ما التحديات التى تواجه كاتب الأطفال الآن؟
التحديات كثيرة منها ما هو فنى ومنها ما هو مادي، من الناحية الفنية على الكاتب أن يطور من أسلوبه بحيث دائمًا يكون قادرا على مخاطبة الأطفال فى فئاتهم العمرية المختلفة، وكذلك عليه أن يتواجد مع الأطفال دائما من خلال ورش عمل أو لقاءات حية، لأنه سيتعلم من الأطفال أنفسهم، وكذلك عليه أن يطور الوسيط الذى يخاطب منه الطفل، فعلى مدار سنوات طويلة كان الكتاب أو المجلة هما هذا الوسيط أما الآن فالمجالات منوعة وعلينا الاستفادة من النهضة التكنولوجية الحادثة فى العالم وتوظيفها فى أدب الطفل.
أما التحديات المادية فتتمثل فى مشكلة التوزيع على سبيل المثال إنها تحتاج لإنشاء مكتبات ثابتة ومتنقلة، ومشكلة التكلفة المادية المتزايدة بسبب ارتفاع أسعار الخامات والورق والتى بالتالى تسبب مشكلة أكبر وهى ارتفاع ثمن الكتاب والمجلة فى ظل انخفاض القوى الشرائية، والضغوط الاقتصادية التى تواجهها الأسرة، وغيرها من التحديات التى تحد من وصول الدعم الثقافى لأطفالنا.
– هل كاتب الاطفال فى الماضى كانت مهمته أسهل ويواجه تحديات أقل؟
لكل عصر من العصور تحدياته، فالكتابة للأطفال فى عالمنا العربى نشأت فى رحاب المؤسسة التربوية، واتجهت إلى التراث العربى تنهل منه الحكايات المختلفة، وكان الكاتب أيضا يعانى من النمطية أحيانًا أو التأثر بالثقافة الغربية أحيانا أخري، مع قلة عدد المهتمين بأدب الطفل، أعتقد أنه كان يمثل عبئا على كاتب الأطفال، وأيضا على الناشر الذى كان يعانى من الطباعة البدائية ومشكلة التوزيع.
– أعرف أنكِ مهتمة بالثقافة التفاعلية مع الأطفال، ومشاركة الأطفال فى المجلات، كيف طبقتِ ذلك فى مجلة «قطر الندي» التى ترأسين تحريرها؟
كنتُ دائمًا أحلم بتقديم مجلة تفاعلية للطفل، مجلة تسمح له أن يكون البطل الحقيقى بها، وأن يعبر عن نفسه على صفحاتها، وقد تحقق هذا الحلم بعد تشريف الزملاء والأصدقاء لى باختيارى رئيسًا لتحرير مجلة قطر الندي، ولذا حرصتُ منذ العدد الأول أن يكتب الأطفال المقال الافتتاحى «مقال رئيس التحرير» يعبرون فيه عن رأيهم وأحلامهم وطموحاتهم، كذلك خصصت صفحة كاملة لنشر لوحة لطفل أو طفلة، لتكون بمثابة معرض مفتوح لرسوماتهم داخل المجلة، مع تكثيف الأبواب التفاعلية فتم تقديم حوار مع طفل موهوب فى كل عدد، من خلال باب «أنا موهوب»، وكذلك نشر حوار مع طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة من خلال باب «معا»، وكذلك باب «ألوان وحروف» الذى نحرص فيه على نشر إبداعات الأطفال، كما خصصت عددًا كاملا لإبداعات الأطفال احتفالا بأعياد الطفولة.
– اتجهت للتجربة التفاعليه كذلك فى كتبك مثل «حكايات بنات»، ما الميزة التى يقدمها تفاعل الطفل مع ما يقرأ وفكرة أن يكون له دور فى الحكاية كما فى هذا الكتاب؟
نعم بالطبع بل أطمح فى الفترة المقبلة أن تكون كتابتى للطفل أكثر تفاعلية معه، فمن وجهة نظرى أن هذه التفاعلية ستكون أحد المخارج المهمة، التى ستسهم فى نجاح الكتابة للأطفال فى الزمن القادم، بعد اكتساح مواقع التواصل الاجتماعى وتحدى الميديا الشرس للكتب المطبوعة، فالطفل كائن نرجسى بشكل ما، ولهذا يبحث عن نفسه داخل كتبه، وإذا استطاعت هذه الكتب أن تترك مساحة من الإبداع للطفل داخلها، وأن تصير تفاعلية فإن إقبال الطفل على القراءة سيزيد.
بالنسبة لكتاب «حكايات بنات» فهو يضم مجموعة منوعة من القصص التى تحتوى مواقف حياتية يمكن أن تقابلها الطفلة، تنتهى القصة بتأزم الموقف ولابد من تصرف أو حل، فيتم اقتراح عدة مواقف للطفلة القارئة، تختار منها أو تقترح تصرفًا مختلفًا تراه مناسبًا، يصاحب كل موقف رسمة تعبر عنه بشكل عام، مع ترك مساحة للطفلة كى ترسم وتلون التصرف الذى تختاره أو تقترحه.
ويهدف كتاب «حكايات بنات» إلى تنمية القدرات الإبداعية لدى الطفلة، وإكساب الطفلة مهارات الاتصال مع المحيطين بها، وتمرين الطفلة على التفكير الإيجابي، وتنمية العمليات العقلية لدى الطفلة من تركيز وإدراك واستنباط واستنتاج وغيرها، وزيادة الحصيلة اللغوية، وزيادة الثقة بالنفس، واكتساب مهارة حل المشكلات والمهارات التحليلية، وزيادة الحصيلة المعرفية، وغيرها من الأهداف.
– قدمتِ أيضًا كتاب «دليل الطفل الموهوب إلى فنون الكتابة» فهل تؤمنين بأنه يمكن تعلم الكتابة، وهل قدم الكتاب مساعدة تشبه ما تقدمها ورش الكتابة؟
فى الكتابة الأبداعية لا توجد وصفة سابقة التجهيز، ولذلك لا أؤمن بتعلم الكتابة، وإنما أؤمن بتطوير القدرات الإبداعية والعناصر الفنية للطفل الموهوب فى المجال الأدبي، ولذلك جاء كتاب «دليل الطفل الموهوب فى فنون الكتابة»، وهو يتناول تبسيط الأنواع الأدبية والصحفية للأطفال مع تقديم شرح مبسط لكل نوع ونماذج مميزة، فقد حرصت على تقديم هذا الكتاب ليكون دليلا ومرجعا سواء للطفل الموهوب أو المشرفين والمتخصصين والمتعاملين مع الأطفال فى كل مؤسسة أو مركز أو قصر ثقافة أو جمعية أهلية، أو أى مكان يُقبل عليه الطفل كى ينمى موهبته وقدراته الإبداعية.
– أنتِ أيضا مشغولة بفكرة « اكتشاف الطفل لموهبته وقدراته كما فى كتابك «كنت دراكولا» ما الذى يمكن أن يساعد الطفل على اكتشاف ذاته ما دور الأسرة والمجتمع؟
للأسرة دور كبير فى اكتشاف وتنمية موهبة الطفل، فالأسرة التى تعمل على التشجيع المستمر لأطفالها، وإتاحة الفرصة لهم للاستقلالية والاعتماد على الذات، ومشاركة أطفالهم الهوايات المختلفة، مع تقبل أوجه القصور والدعم المستمر، وتغرس فى أطفالها الثقة بالنفس، تقدم للمجتمع شخصا مبدعا منتجا قادرا على تطوير ذاته، وفى قصة «كُنْتُ دراكولا» نجد أن الأم والمدرسة لعبا الدور الأكبر فى اكتشاف موهبة الطفل كريم، وحسن استغلالها، وأكدت القصة على دور الأب «راعى الأسرة»، كما قدمت نموذجًا للصداقة البناءة.
– الموضوعات التى تجذب الطفل المصري، وهل تختلف تلك الموضوعات من بلد لآخر، ومن ثقافة للآخري؟
الطفل المصرى موهوب بالفطرة، قادر على التعبير عن نفسه، مستوى ذكائه مرتفع، اجتماعي، مستوعب للثورة التكنولوجية الحادثة الآن، وقادر على توظيف أدواتها، فالطفل المصرى منافس ونِدٌّ قوى لأطفال العالم، فى الحقيقة أطفالنا يرفعون سقف طموحاتنا. وهذا يصعب من مهمة كُتّاب الأطفال، الذين يجب أن يتصفوا بالمرونة الكافية للبحث عن الأفكار المختلفة المؤثرة والمعالجة المبتكرة، وحسن إدارة أدواتهم الفنية، وأيضًا عليهم أن يطوروا من نظرتهم للحياة، كى تصبح أكثر احتواءً وعمقًا.
وفيما يخص اختلاف الموضوعات من بلد إلى آخر، فوجهة نظرى أن المشكلة لا تكمن فى الأفكار، لأن الأفكار والموضوعات متداولة، ولكن تبقى المعالجة التى يقدمها كاتب الأطفال المصرى والعربي، المرتبطة بالبيئة المصرية والعربية هى الفارقة.
– تكتبين أيضا القصة القصيرة، ما الذى يجعلك تقررين أن تكتبى الآن للصغار أو للكبار، ما الذى يوجه بوصلة الكتابة لديك؟
منبع الكتابة واحد، ولكن يختلف الوسيط وكذلك المتلقى وتقنيات الكتابة ذاتها، فى الكتابة للكبار أنت تُسِرُ لصديق، أما فى الكتابة للأطفال فأنت تحكى لأولادك، والاثنان يتفقان فى الفكرة والشخصيات والحدث والبناء الدرامي، لكنهما يختلفان فى اللغة والغاية، وبينهما أتأرجح فمرة أُسر لصديق ومرة أحكى لأولادي.