مع تزايد الضغوط الدولية لانهاء حرب الابادة الجماعية التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على سكان قطاع غزة، يواجه رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو معارضة شديدة من أعضاء حكومته المنتمين للتيار اليميني، الذين يرفضون نهائياً وقف هذه الحرب إلا بعد القضاء على حماس.
وإلى جانب هذه الضغوط سواء على المستوى العالمى أو من رفاقه من اليهود المتعصبين، يزداد فى نفس الوقت الغضب الشعبى ضد نتنياهو بشكل متصاعد لاسيما من جانب عائلات الأسرى الاسرائيليين الذين ينظمون مظاهرات كبيرة من أجل ابرام صفقة تنهى احتجاز ذويهم لدى حماس.
لكن فى كل المواجهات مع هذه الأطراف، لا يفكر نتنياهو إلا فى تيار واحد يسعى دائماً إلى إرضائه هو اليمين المتشدد الذى يضم عدداً لا بأس به من أعضاء الحكومة فى تل أبيب، متجاهلاً هو ومن معه من اليمينيين، القانون الدولى والصيحات الشعبية والمطالبات على مستوى العالم بوقف هذا العدوان.
ويرجع السبب فى حرص نتنياهو على ذلك إلى خشيته من انهيار الائتلاف الحكومى الذى تشكل بفضل أصوات اليمين فى الكنيست «البرلمان الإسرائيلي»، بعد أن فاز فى عام 2022 بـ٦٤ مقعدا من اجمالى عدد مقاعده الـ 210، متيحاً له تشكيل الحكومة بأغلبية مريحة، وبقاءه كرئيس للوزراء.
وبالنظر لأعضاء الحكومة الإسرائيلية المنتمين لليمين نجدها تتكون من:
> يوآف جالانت – الذى يشغل منصب وزير الدفاع ــ واحد من المؤيدين بشدة لاستمرار الحرب الدامية فى غزة حتى تحقيق أهدافها التى فشلت فيها حتى الآن. وفى آخر تصريح له، أكد جالانت –الذى لا يرتدى إلا ملابس سوداء منذ اندلاع القتال فى أكتوبر الماضى – لوزير الخارجية الأمريكي، أنتونى بلينكن، أن الحرب لن تتوقف قبل إعادة المختطفين، وإيجاد حكم بديل لحركة حماس فى غزة.
> بتسلئيل سموتريتش الذى يشغل منصب وزير المالية وهو مستوطن بالضفة الغربية ويشرف على بناء المستوطنات هناك، وأعلن أكثر من مرة معارضته قيام الدولة الفلسطينية ووقف حرب الابادة الدائرة فى قطاع غزة.
> رون ديرمر وزير الشئون الاستراتيجية، فهو عضو فى حكومة الحرب ومن المناصرين للحرب والقضاء على حماس، وكذلك وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، المعروف بتعصبه الديني، وتأييده التوسع فى إقامة المستوطنات فى الضفة الغربية، ومعارضته الشديدة لقيام الدولة الفلسطينية.
وعن الخلفية الحزبية لهذا التحالف الحكومي، نجده مكوناً من عدة أحزاب دينية متعصبة هى «شاس» و»الصهيونية الدينية» و»يهودت هتوراه»، و»القوة اليهودية».
> حزب الصهيونية الدينية الذى ينتمى إليه بتسلئيل سموتريش، يعتنق أفكار حزب «كاخ» ومنظمة «غوش أيمونيم» التى تقوم على العنف المسلح لتحقيق آمال الصهيونية، وأن «أرض إسرائيل لشعب إسرائيل»، وكذلك السيطرة على كامل الأراضى الفلسطينية والاستيطان الاسرائيلي.
> أحزاب «يهودت هتوراه» و»شاس» الذى يتزعمه أرييه درعي، وزير الداخلية والصحة فى الحكومة، والقوة اليهودية بزعامة ايتمار بن غفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلي، تقوم جميعها على أفكار دينية متطرفة تتوحد حول عقيدة سياسية تتمثل فى إقامة دولة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني، وعدم القبول بأى تسوية سياسية تعطى الحق للفلسطينيين فى إقامة دولتهم.
> حزب الليكود الذى ينضم لقائمة هذا الائتلاف الحكومى ويشكل أغلبيته، حيث تتكون قاعدته الشعبية من طبقة اليهود العاملة الذين ينتمون إلى أصول من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وخلال زعامة نتنياهو، تحول مسار الليكود من الفكر المحافظ إلى اليمينى المتعصب، المعروف تحت اسم «المحافظون الجدد»، حيث يستخدم رئيس الوزراء خطاباً شعبوياً لمغازلة أنصاره من اليمينيين والمتشددين على اعتبار أنه الجندى الذى يدافع عن المصالح اليهودية، معتبراً خصومه، غير مخلصين فى حماية إسرائيل.
وفى هذا الصدد، قالت صحيفة هآرتس العبرية خلال الشهور الأولى من اندلاع حرب غزة، أن نتنياهو حوّل الحزب الذى كان يضم الليبراليين الاقتصاديين والاجتماعيين ذات يوم، إلى حزب شعبوى استبدادى يتمحور حول شخصيته، فهو ينظر لنفسه على أنه عنصر يمثل الروح الوطنية المدافعة عن حقوق اليهود.
من هذه الأيديولوجية السياسية المغلفة بطابع دينى متعصب، تنطلق حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية، ويقف نتنياهو مدافعاً عن حق اليهود فى الدفاع عن نفسهم من خلال قتال حماس حتى يتم القضاء عليها بأى ثمن حتى لو على حساب جثث جميع الفلسطينيين.
ويتبلور الفكر السياسى لهذا التحالف «الائتلاف الحكومي» من هذه العقيدة التى لا يريد نتنياهو الانحراف عنها، حتى لا يخسر المعسكر اليمينى فى حكومته، لذلك عندما أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن عن مقترحه بشأن وقف اطلاق النار فى غزة، ماطل نتنياهو إما بالقول أن هذا المقترح مجتزأ وغير كامل، أو التصريح بمواصلة الحرب.
على الجانب الأمريكي، صرح مستشار الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومى الأمريكي، جون كيربي، مؤخراً فى مؤتمر صحفي، بأن تل أبيب كانت على علم مسبق بمقترح بايدن، كاشفاً أن وزير الخارجية الإسرائيلى «يسرائيل كاتس» نفسه اعترف بأن مقترح وقف إطلاق النار فى غزة هو إسرائيلي، حسبما أفادت قناة الحرة الأمريكية.
كما قال كيربى أيضاً إن هناك مرونة من الجانب الاسرائيلى فى خطة الانسحاب التدريجى للجيش من المناطق السكنية فى غزة، وفقا للمرحلة الأولى من مقترح وقف إطلاق النار.
وبعد هذا الكشف وفى ظل الضغوط الأمريكية والدولية على إسرائيل لوقف القتال، يشرع نتنياهو بمحاولة إقناع وزراء ونواب حزبه «الليكود»، بدعم مقترح اتفاق تبادل أسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية الذى أعلن عنه الرئيس بايدن، وفق ما أورده إعلام عبري، حيث أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو ومكتبه يجرى محادثات ومشاورات مع أعضاء الكنيست من «الليكود» يُعتقد أنهم سيعارضون صفقة وقف الحرب مع حماس.
لكن فى ظل الانقسام السياسى لحكومة تل أبيب، خاصة من جانب الوزيرين، بن غفير، وسموتريتش، اللذين هددا بإسقاط الحكومة حال الموافقة على الاتفاق، يتحرك نتنياهو بحذر حتى لا يخسر الحكومة التى يدعمها اليمين المتطرف، وحتى يكسب فى نفس الوقت الإدارة الأمريكية التى بدأت تضغط عليه بعد تزايد المطالب الدولية بإنهاء هذه الحرب المستمرة منذ ٨ أشهر والتى خلفت حتى الآن أكثر من ٣٦ ألف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال.