جرت خلال الأيام القليلة الماضية ما بين الدوحة والقاهرة جولتان من المفاوضات بين حركة حماس (بطريقة غير مباشرة) وإسرائيل، بدعم ورعاية الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، وزار وزير الخارجية الامريكى أنتونى بلينكن المنطقة للمرة التاسعة لتضافر الجهود مع الوسطاء أملا فى الوصول إلى اتفاق
على الرغم من تفاؤل الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته بشأن هذه المفاوضات فى بدايتها إلا ان هذا التفاؤل سرعان ما انخفض حتى تلاشى بعدما طل نتنياهو برأسه فى المشهد معلنا تمسكه بكل ما من شأنه إعاقة إتمام أى اتفاق، فرغم أن بلينكن قبيل مغادرته تل أبيب صوب القاهرة أعلن أن نتنياهو وافق على خطة التسوية التى عرضتها واشنطن خلال جولة الدوحة، مشددًا على أن من واجب حركة حماس أن تفعل الشيء نفسه، وأثناء وجود بلينكن فى طريقه إلى القاهرة جدّد نتنياهو شروطه وصرح إنه لن يقبل أى مقترح يتضمن إنهاء الحرب، وأن الضغط العسكرى كفيل بإرغام حماس على التخلى عن مطالبها، وفق ادعائه وقال انه من غير المؤكد التوصل إلى اتفاق متمسكا ببقاء جيش الاحتلال فى محورَى فيلادلفيا ونتساريم تحت أى ظرف، زاعما أنهما يشكلان أهمية إستراتيجية عسكرية وسياسية.. تصريح نتنياهو يتعارض مع مطلب القاهرة –كوسيط وطرف متضرر نظرا لحدودها مع غزة– بضرورة انسحاب إسرائيل من معبر رفح الفلسطينى ومحور فلادلفيا وإسناد إدارة المعبر لطرف فلسطينى فالقاهرة تنظر للصورة الأعم والأشمل وتذكر أيضًا بأن أخطار توسع الحرب قائمة، وأن وقف إطلاق النار لا بد أن يفضى لاعتراف دولى أوسع بدولة فلسطينية.
بدا واضحا أن نتنياهو لا يريد صفقة، وأن هناك قرارًا إسرائيليًا ضمنيًا بعدم الذهاب إلى صفقة تبادل والاستمرار بالحرب، وأن نتنياهو يفضل استعادة المخطوفين جثثًا على أن يعقد صفقة تبادل ويمس مصلحته الشخصية والسياسية وهذا أمر متوقع من نتنياهو، لكن العقدة فى رأيى تكمن فى أنه يبدو أن هناك تنسيقا أو تفاهما سريا بين الإدارة الأمريكية ونتانياهو على سلوكيات الأخير وهذا يدعم وجهة نظر حماس التى ترى أن المقترح الأمريكى الجديد ما هو إلا إعادة صياغة للشروط الإسرائيلية لتبدو وكأنها مقدَمة من واشنطن، وتتهم واشنطن بأنها تمثل غطاء للاحتلال لارتكاب مزيد من الجرائم، داعية إدارة بايدن إلى التراجع عن سياسة الانحياز ورفع الغطاء السياسى والعسكرى عن حرب الإبادة الإسرائيلية، مؤكدة للوسطاء أنها لطالما تعاملت بإيجابية مع مسار المفاوضات.
لم تصمت واشنطن حيال اتهامات حماس بل اعتبر الرئيس الأمريكى فى كلمته فى المؤتمر العام الوطنى للحزب الديمقراطى ان حماس تتراجع عن الاتفاق، فى حين هو يعمل على زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتحقيق وقف إطلاق النار واستعادة الرهائن، بحسب تعبيره.
بنظرة تحليلية للمقترح الأمريكى الذى يهدف إلى سد الفجوة بين الجانبين نجده يتضمن تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، والتى تقضى بإطلاق حماس سراح الرهائن المدنيين الأكثر ضعفاً ويتفاوض الطرفان خلال المرحلة الأولى على المرحلتين الثانية والثالثة دون أى ضمانات لحماس من إسرائيل أو الولايات المتحدة التى تكتفى بعرض الوعود وليس الضمانات، ولن تقبل حماس بهذا، وتعتبره تقويضا لمبادرة بايدن التى وافقت عليها حماس بعد جولة مفاوضات طلبت خلالها بعض التوضيحات التفصيلية، ثم قام نتنياهو بتعطيلها بشروطه.
أخيرا نعتقد أن المقترح الحالى يريد وقف إطلاق النار بغزة على مبدأ إعادة الاحتلال، فضلًا عن تقويض مطلب عودة النازحين وعلى ما يبدو حصل نتنياهو على ضمانات من الإدارة الأمريكية باستئناف القتال وهو ما لا يلبى المطلب المركزى لحماس بوقف إطلاق النار الدائم فضلا عن ظهور المزيد من التفاصيل حول الاقتراح الذى كان من المفترض ان يسد الفجوات لكن نتنياهو بدوره وطبعه عمل على توسعة الفجوات.