رغم فظاعة وإجرام العدوان الصهيونى لجيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة إلا أن دولة الكيان سقطت على كافة الأصعدة عسكرياً وأمنياً ودولياً، وأخلاقياً ونالت من الفضائح والإخفاق ما لا يعد ولا يحصى فقبل العدوان الدموى على غزة كانت إسرائيل تروج لأكاذيبها، وتفاخر بقوتها التى لا توصف، وتخدع وتضلل الشعوب وتدعى المظلومية، وأنها مضطهدة، ونموذج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن جيشها هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم كل ذلك تهاوى وسقط فى مستنقع الإجرام وحرب الإبادة، فقد قتلت عشرات الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء والصحفيين والأطباء، وأطقم التمريض، وآلاف المرضى الذين يتلقون العلاج ودمرت المستشفيات، ومحطات الكهرباء، والمياه وقضت على كافة مقومات الحياة فى قطاع غزة حتى فاق حجم الدمار أكثر من 80٪ من القطاع، حتى صنفت الأمم المتحدة جيش الاحتلال بأنهم قتلة الأطفال ناهيك عن حرب الحصار والتجويع.. والتعذيب والتنكيل فى السجون الصهيونية وأيضاً قتل المارة المسالمين بدم بارد.
الغريب أن آلة الكذب الإسرائيلية مازالت نشطة تروج التخاريف عن الإنسانية وحقوق الإنسان والأخلاقية.
على المستوى العسكرى حدث ولا حرج عن فضائح وعجز وشلل وضعف جيش الاحتلال، خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، حتى أن ضباطه وجنوده يهربون من الخدمة العسكرية أو أصيبوا بأمراض نفسية مزمنة، وصلت حد الجنون وهناك من كفر بإسرائيل وقرر الهرب والرحيل من المصير المشئوم لدولة الاحتلال، التى لا تبحث سوى عن المغانم السياسية، واستمرار العدوان من أجل تفادى المصير المحتوم من محاكمات وربما الاعتقال، والسجن، والعزل.
طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضي، كان فضيحة لدولة الكيان الصهيونى المعنية، فما حدث كان صفعة قوية لمنظومات الأمن والاستخبارات والجيش، ولك أن تتخيل أن المقاومة دخلت غلاف غزة دون أدنى اكتشاف أو مقاومة لتخطف أرواح الجنود الصهاينة وتأسر منهم العشرات دون أدنى مقاومة بل اخترقت كافة المنظومات، وحصلت على معلومات خطيرة كانت لدى الأجهزة الإسرائيلية فى غلاف غزة، الفضائح لم تنته بعد، فقد تعرض جيش الاحتلال لصدمات وصفعات مؤلمة وضارية وقاسية من المقاومة، فشلت منظومة القبة الحديدية، ونزعت الأكاذيب والخزعبلات والأساطير عن الدبابة الميركافا، وناقلة الجنود النمر التى تبلغ تكلفتها ما يقدر بخمسة مليارات دولار، وتدمرت كثيراً بكل من فيها من ضباط وجنود الاحتلال غير مأسوف عليهم، ورغم مرور عشرة أشهر على العدوان، استيقظ الإسرائيليون على الكابوس وأن نتنياهو وجيشه لم يحققوا أى هدف معلن، لا قضوا على المقاومة التى مازالت تنفذ عمليات تزلزل جيش الاحتلال، ومازالت صواريخ المقاومة تصل إلى العمق الإسرائيلي.. ولم ينجح جيش الاحتلال فى الإفراج أو إطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة وعندما حاول فشل وقتل أسراه، أو سقط مئات الشهداء فى فضائح مدوية تثبت سقوط هذا الجيش غير الأخلاقي، ولم يفرض السيطرة على غزة رغم سوء الظروف فقد تحولت الأطلال والركام الناتجة عن القصف الإسرائيلى إلى آلة قتل تحصد أرواح الضباط والجنود الصهاينة، حيث تتعدد الكمائن المركبة، وتفجير العبوات الناسفة وتفخيخ المنازل المهدمة، لتصيب جيش الاحتلال بالصدمة، وقد بات غير راغب فى استمرار القتال.
فشل نتنياهو ووزراءه خاصة إيتمار بن غفير، وسلئبيل سيموتريتش فى تنفيذ أهدافهم غير المعلنة طبقاً لأفكارهم الصهيونية، فلم تنجح هذه الحكومة فى تصفية القضية الفلسطينية بل جعلوها فى قلب ورأس الاهتمام الدولى والعالمي، واعترفت دول كثيرة بالدولة الفلسطينية المستقلة، ولم تنجح إسرائيل فى إجبار الفلسطينيين المستميتين بأرضهم على النزوح صوب الحدود المصرية، ولم ينجح المشروع الصهيونى فى توطينهم فى سيناء لأن هناك قائداً وطنياً شريفاً، شجاعاً وجسوراً رفض هذا المخطط وتصدى له بقوة وحسم، بل واعتبره «خطاً أحمر» ولن يحدث.
نتنياهو قرر أن يغامر بإسرائيل من أجل البقاء والابتعاد عن دائرة الحساب، وبات فى مأزق وورطة حقيقية، بسبب تنامى الانقسام فى المجتمع الإسرائيلي، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات بسبب الفشل فى إطلاق سراح الأسري، والزج والدفع بضباط وجنود جيش الاحتلال إلى أتون حصد أرواحهم، وتدمير آلياتهم، ناهيك عن فتح جبهات عديدة سواء فى الشمال حيث لبنان وحزب الله، واختراق الصواريخ والمسيرات التابعة لقوات حزب الله العمق الإسرائيلي، سواء بالتدمير أو التصوير لمواقع مهمة وتفصيلية عن مواقع عسكرية وأمنية إسرائيلية وهو ما يشكل فضيحة جديدة، وتخشى إسرائيل وداعموها من مغبة الحرب الشاملة فى لبنان ومازالت الاختراقات فى العمق الإسرائيلى على الحدود الشاملة مطرقة يدق رأس جيش الاحتلال.
الجديد فى الأمر، هو اختراق مسيرة «حوثية» من اليمن للعمق الإسرائيلي، وتدميرها لمبنى فى تل أبيب بالقرب من السفارة الأمريكية وهو ما يشكل عملاً نوعياً وفارقاً جديداً إضافة إلى استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل حتى أفلس ميناء إيلات وخرج من الخدمة، قيام المقاتلات الإسرائيلية باستهداف محطات نفطية، ومحطات كهرباء فى محافظة الحديدة لن يمر بسلام، بل سوف يدفع إلى مزيد من التصعيد، والاستهداف المتبادل فى ظل استباحة العمق الإسرائيلى فإن ذلك يشكل خطراً داهماً على الدولة المحاصرة من الجبهة اللبنانية، ومن اليمن، وأيضاً من ضربات المقاومة الفلسطينية المؤلمة.
الحقيقة أن نتنياهو وإصراره على التصعيد هو أخطر أعداء الدولة الصهيونية، لأن عمليات نقل الدم الأمريكية والغربية لإسرائيل المنهكة لن تستطيع إنقاذ إسرائيل، لأنه أصبح مطمعاً، وهدفاً مستباحاً، لذلك فإن جهود نتنياهو فى إفساد مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق النار دليل بارز على الغيبوبة أنه بكل وضوح لا يبحث سوى عن مصلحته، وإرضاء، بن غفير وسيموتريتش، وربما يتسبب هذا فى إشعال المنطقة بحرب شاملة حذرت منها مصر وقيادتها السياسية مراراً وتكراراً وسوف تقلب المعادلة رأساً على عقب، إن لم تنجح واشنطن فى ترويض وإقناع نتنياهو بضرورة إبرام صفقة التهدئة ووقف العدوان وتبادل الأسرى خلال زيارة نتنياهو للولايات المتحدة وإلقائه كلمة فى الكونجرس وربما تكون هى المهمة الأخيرة للرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن قبل الإعلان الرسمى عن سباق الانتخابات الرئاسية أمام دونالد ترامب المرشح الجمهوري، فى ظل انقلاب الجميع على بايدن وأبرزهم الرئيس الأسبق باراك أوباما، وتنامى فرص نائبة بايدن كامالا هاريس، فى الترشح، ومحاولة أوباما فى الدفع بزوجته للسباق الانتخابى على قيادة أمريكا، الأيام القادمة مليئة بالمفاجآت والأحداث، وربما تكون صفقة التهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، قد ترى النور، والعالم أمام لحظة المصير خلال الأشهر القليلة القادمة رغم أنهما وجهان لعملة واحدة ديمقراطى أو جمهوري.