يبدو أن فلسطين هى المكان المظلم الذى يصطدم فيه شعور ترامب بأنه «المنقذ» و»عقيدة الحرب الدائمة» لدى نتنياهو.. فإلى أين سيذهب هذا الصراع بعد ذلك؟ ومن سيساعد الآن أولئك الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم.
تبدو العقيدة الأولى عند رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للحرب الدائمة واضحة ومباشرة وهى أنه لا يمكن ولا يجب السماح أبداً للسلام بأن يدوم.
ومع عودة سقوط النيران الإسرائيلية العشوائية القاتلة مجدداً على شعب غزة الأعزل بأوامر من رئيس الوزراء الإسرائيلى المولع بالحرب فإننا أصبحنا نسمع صرخات الألم من القطاع من جديد.
وهذه الحرب لا تتوقف لأن نتنياهو مدعوم فى منصبه بحالة الطوارئ الوطنية المستمرة التى رعاها هو وأنصاره منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 ولأن الهدف الأهم بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى هو تحطيم آمال الفلسطينيين فى إقامة دولة.. ولأن شركاءه من اليهود المتطرفين وجدوا فيها وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل فى إقامة دولة إسرائيل الكبري.
فهؤلاء وحلفاؤهم من المستوطنين المتطرفين يستخدمون الحرب كذريعة لتوسيع نطاق الاستيلاء على الأرض وترهيب الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة كما تم الاستيلاء على مناطق جديدة فى مرتفعات الجولان السورية وبات تهجير سكان غزة هدفاً معلناً آخر.
نتنياهو لم يكن جاداً فى الالتزام بالمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار التى كان من المفترض أن تبدأ من مارس الماضى والتى تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلى.. فقد منع دخول المساعدات الإنسانية وقطع إمدادات المياه والكهرباء وعرقل المحادثات حيث كان يشن الحرب بوسائل أخرى وعندما فشلت هذه الاستفزازات أصر على خرق لاتفاق وقف اطلاق النار على أن تفرج حماس من جانب واحد عن المزيد من الرهائن مع عرض إفراج محدود عن السجناء الفلسطينيين وتمديد مؤقت للهدنة فى المقابل.
إن الحرب الدائمة حتى وإن كانت غير معلنة يصعب تبريرها.. ونتنياهو متهم بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية والمدان على نطاق واسع فى أوروبا والعالم العربى يعانى من نقص حاد من الداعمين وقد تفاقم المأزق مؤخراً بعد أن بات متهماً بزيادة الاستبداد.. والحديث حول علاقته بفضيحة فساد جديدة.. وفى هذا السباق فإن التشتت المتعلق بحرب غزة يأتى فى الوقت المناسب بالنسبة له.
أما البيت الأبيض الذى يؤكد تواطؤه فى الضربات الإسرائيلية.. فإنه يبدو حريصاً على استمرار الحرب أيضاً.. فعلى الرغم من خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإقامة ريفييرا غزة لم تعد تسمع الآن فإنه سيكون من السذاجة عدم رؤية الاتصال الأوسع بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي.. ففى الأيام الأخيرة لوح الرئيس الأمريكى بشن حرب على إيران مطالباً إياها باستئناف المحادثات بشأن تقليص برنامجها النووى أو مواجهة عمل عسكري.. وفى الوقت نفسه شن غارات جوية على الحوثيين حلفاء طهران فى اليمن.
مثل بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين غافلاً عن التاريخ كعادته يعتقد ترامب أنه قادر على تشكيل الشرق الأوسط بناء على إرادته الإمبرالية.. لكن على عكس الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.. فإن ترامب يرغب فى إعادة تشكيل المنطقة خلال الإملاءات مدعوماً باستخدام القوة الغاشمة أو التهديد بها.
يبدو أن فلسطين هى المكان المظلم الذى يصطدم فيه شعور ترامب بأنه المنقذ.. وعقيدة الحرب الدائمة لدى نتنياهو فإلى أين سيذهب هذا الصراع بعد ذلك، ومن سيساعد الآن أولئك الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم.