الضغوط الداخلية.. تراجع تأييد بايدن.. تأكل الدعم الغربى يضعه فى موقف حرج
تكشف حالة الصمود والاستبسال للمقاومة الفلسطينية رغم قلة الإمكانات والعتاد العسكرى عن قيمة الوطن والانتماء إلى الأرض، وهو إحساس فطرى يدركه الآن بالتأكيد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلى الذى يواجه ثغرات هائلة فى استراتيجيته العسكرية رغم وفرة العتاد العسكرى والدعم الغربى الشامل بكافة صوره العسكرية والسياسية وحتى المعنوية.
فى الحرب التى دخلت شهرها الثامن لم يتم تحقيق أى من أهداف إسرائيل المتمثلة فى إلحاق الهزيمة بفصائل المقاومة والقضاء على قدراتها العسكرية بالإضافة إلى تحرير الرهائن، وهو ما يلقى بظلال من الشك على إدعاءات الجيش الإسرائيلى بكونه الأقوى فى منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن فقدان ثقة اليهود أنفسهم فى دولة وحكومة إسرائيل، وهو ما دفع أكثر من نصف مليون يهودى إلى مغادرة إسرائيل والعودة إلى بلدانهم الأصلية بينما هجر عشرات الألاف منازلهم منذ بداية الحرب فى السابع من أكتوبر الماضى.
ويصف المؤرخ الإسرائيلى توم سيجيف، الحالة العامة لدى الإسرائيليين بقوله لقد توقف الناس عن الاعتقاد بأن البلاد قادرة على الدفاع عنهم، مثلما فقدوا إيمانهم بقدرتها على ضمان مستقبل آمن لهم.
وفى ديسمبر الماضى، وبعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة أعلن جيش الاحتلال أنه نجح فى تفكيك القدرات العملياتية للجناح العسكرى لحركة حماس، فى جباليا أكبر مخيم للاجئين فى القطاع. وتفاخر إسحاق كوهين قائد الفرقة الذى قاد العملية وقتها بأن جباليا لم تعد كما كانت، بعد زعمه باعتقال نحو 500 من عناصر المقاومة وتدمير كتائبها الثلاث المتمركزة هناك.
ولكن بعد أربعة أشهر، اضطرت الفرقة نفسها التى تشارك فى العملية البرية فى رفح الفلسطينية للعودة إلى جباليا، حيث يعيد رجال المقاومة الفلسطينية تنظيم صفوفهم، وسواء جباليا أو فى الزيتون وشدة وضرواة الاشتباكات دليل قاطع على أن تحقيق النصر الكامل الذى وعد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعيد المنال وأن خطة الاجتياح البرى لرفح الفلسطينية بزعم وجود أربع كتائب تابعة لحماس بها مصيرها الفشل. وليس من قبيل الصدفة وسط هذه الأجواء، أن تخرج المؤسسة العسكرية فى إسرائيل ولأول مرة منذ بدء الحرب لانتقاد نتنياهو، لعدم وجود خطة لما بعد الحرب فى غزة. قبل شهر، سعت قوات الاحتلال الإسرائيلى لفصل شمال غزة عن جنوبه، عبر شق طريق باسم ممر نتساريم، يمتد حتى ساحل البحر المتوسط، وبدا الأمر على أنه خطة لإعادة تشكيل القطاع. ولكن بعد أسابيع من القصف الجوى المتواصل، عادت بقوة فيديوهات المقاومة الفلسطينية وهى تنصب أكمنة لقوات الاحتلال وتكبده خسائر فادحة فى الجنود والآليات.
وفى غضون أيام قليلة، انتقلت إسرائيل من حالة التفاخر بما أنجزته فى منطقة معبر رفح الفلسطينية إلى العودة إلى جباليا. وبدا أن التوصل إلى اتفاق ثان لوقف إطلاق النار هو الأقرب، لكن السلطات الإسرائيلية اعترفت الآن بأن الفرصة قد ولت، على الأقل فى الوقت الحالى.
وبالتزامن يواجه نتنياهو ضغوطًا غير مسبوقة جعلت كافة الخيارات المتاحة أمامه سيئة، فأولاً، يقود حكومة هى الأكثر يمينية فى تاريخ إسرائيل، وقد تنهار إذا وافق نتنياهو على وقف إطلاق نار. وحتى لو تم إجراء انتخابات جديدة فإن فرص نجاحه تكاد تكون معدومة مع رغبة ٪71 من الإسرائيليين فى استقالة نتنياهو، وفقاً لاستطلاع للرأى أجرى مؤخراً. . وثانيا، تمارس عائلات الرهائن والذين يقدر عددهم بنحو 130 رهينة ضغوطاً لا هوادة فيها على نتنياهو لحمله على قبول وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراحهم.
وثالثاً، رغبة الرئيس الأمريكى جو بايدن، حليفه الرئيسى، فى إنهاء الحرب فى أسرع وقت ممكن من أجل تعزيز فرص نجاحه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فى ظل إدراك بايدن جيدًا الخطر المتمثل لفقدان أصوات الأمريكيين العرب.
الخلافات مع واشنطن والضغوط الشعبية التى يواجهها النظام العنصرى الحاكم فى إسرائيل وتأكل الدعم الغربى للدولة الصهيونية، انتقل إلى صفوف الجيش، وارتفع عدد القتلى فى صفوفه منذ السابع من أكتوبر إلى 626 قتيلًا بين ضابط وجندى.
الخلاصة أنه بدون خطة واقعية لانتهاء الصراع، فإن كافة الحملات التى تقوم بها القوات الإسرائيلية محكوم عليها بالفشل.
النشاط الاستيطانى
ملف دائم فى الاجتماعات الدولية دون حلول أو محاسبة
المستوطنات غول يلتهم الأراضى الفلسطينية
عواصم– وكالات الأنباء:
تعد المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضى الفلسطينية المحتلة واحدة من أبرز أسباب استمرار الصراع. ويرى المجتمع الدولى أن لجوء إسرائيل إلى توطين سكانها على أراض احتلتها خلال حرب يونيو 1967، ليس أمرا قانونيا.
ظلت الولايات المتحدة طرفا فى هذا الإجماع الدولى، وكانت تشير دائما إلى أن هذه المستوطنات «غير قانونية»، لكنها غيرت موقفها، بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكى السابق مايك بومبيو عام 2019 أن بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية غير قانونية. وقال بومبيو وقتها: «وصف بناء المستوطنات الإسرائيلية بأنه مخالف للقانون الدولى لم يجد نفعا، ولم يساعد فى إحراز أى تقدم فى قضية السلام». فى المقابل، رفضت السلطة الفلسطينية القرار الأمريكى، وقالت إنه يشكل خطرا على «الأمن والاستقرار والسلام العالمى»، مضيفة أن هذا التحرك يهدد «باستبدال قانون الغاب بالقانون الدولى.»
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو – الذى كان يتولى حكومة الاحتلال وقتها– هذا التحول فى السياسة الأمريكية بأنه «يصحح خطأ تاريخيا»، مطالبا دولا أخرى بأن تحذو حذو الولايات المتحدة.
ومنذ السابع من اكتوبر الماضى، عندما هاجمت حركة حماس مستوطنات «غلاف غزة» بشكل مباغت، اتخذت إسرائيل عدوانها على غزة كستار لبناء وشرعنة المزيد من المستوطنات وكأنها تنتقم من كل سنتيمتر فى الأراضى الفلسطينية.
أفادت حركة «السلام الآن» الاسرائيلية بأن الاستيطان الإسرائيلى بالضفة الغربية سجل فى العام الأول من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاخيرة أرقامًا قياسية، ولاحظت ارتفاعًا بالنشاطات الاستيطانية أيضا منذ بدء العدوان على غزة فى 7 أكتوبر الماضى.
كان مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان فولكر تورك، قد أكد فى مارس الماضى إن التسارع الكبير فى بناء المستوطنات يفاقم الأنماط التى طال أمدها من القمع والعنف والتمييز ضد الفلسطينيين.
وفى تقرير قدمه إلى مجلس حقوق الإنسان، أضاف تورك أن إنشاء المستوطنات وتوسيعها المستمر يسعيان إلى نقل إسرائيل سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها، وهو ما يرقى بدوره إلى جريمة حرب، حسب القانون الدولى.
فى الوقت نفسه، كشفت صحيفة «جارديان» البريطانية فى أبريل الماضى عن عزم حكومة نتنياهو بناء آلاف الوحدات السكنية فى القدس المحتلة هى الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد. وأظهرت وثائق التخطيط التى اطَّلعت عليها الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية سرّعت بناء المستوطنات فى أنحاء القدس الشرقية، إذ جرت الموافقة على أو المضى قدماً فى أكثر من 20 مشروعاً يبلغ مجموعها آلاف الوحدات السكنية منذ بدء الحرب على غزة.
وطالب الفلسطينيون – على مدار سنوات – إسرائيل بتجميد جميع الأنشطة الاستيطانية قبل استئناف محادثات السلام معهم، إلا أن إسرائيل تدعى إن الفلسطينيين يستخدمون قضية المستوطنات ذريعة لتجنب المحادثات المباشرة.
وهناك عدد من النصوص الواردة فى المواثيق والمعاهدات الدولية، التى تحظر الاستيطان، وتمنع المساس بالحقوق والأملاك المدنية والعامة فى البلاد المحتلة، من بينها ميثاق الأمم المتحدة الذى يحظر على المحتل توطين سكانه فى الأراضى المحتلة.
أما معاهدة جنيف الرابعة، فالمادة 49 منها تنص على أنه «لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها».