شهدت قمة عمل الذكاء الاصطناعى التى عُقدت فى باريس يومى 10 و11 فبراير 2025 مشاركة قادة العالم، والمسئولين التنفيذيين فى مجال التكنولوجيا، وممثلى منظمات المجتمع المدني، بهدف تشكيل ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي. وقد ظهرت مجموعة متنوعة من الآراء والأهداف المتباينة بوضوح من قبل اللاعبين الرئيسيين على الساحة العالمية فى هذا الحدث، الذى يُعتبر نقطة التقاء محورية للمجتمع الدولى المعنى بتطورات الذكاء الاصطناعي.
تم عرض أول تقرير دولى حول سلامة الذكاء الاصطناعى خلال القمة، تضمن مجموعة من الآراء المختلفة بشأن الوضع الراهن لتقنيات الذكاء الاصطناعى وما تحمله من مخاطر. هذا التقرير يمثل جهداً لتقديم بيانات علمية محايدة حول أنظمة الذكاء الاصطناعى متعددة الأغراض، والتهديدات المرتبطة بها، وسبل التخفيف من تلك التهديدات.
تم الإعلان عن مبادرة جديدة تحت اسم «الذكاء الاصطناعى الحالي» بتمويل يبلغ 400 مليون دولار من الحكومة الفرنسية، والمحسنين، ومن شركات التكنولوجيا الكبري. تقوم هذه المبادرة على تطوير الذكاء الاصطناعى لخدمة المصلحة العامة، بهدف خلق حلول أخلاقية ومستدامة وشاملة.
تم أيضًا الإعلان عن تحالف جديد للاستدامة البيئية، يضم مجموعة من الشركاء للعمل على تقليص تأثير الذكاء الاصطناعى على البيئة. بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع التزامات طوعية من قبل 60 قائدًا يهدف لضمان أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعى الناشئة أكثر شمولًا واستدامة. ومع ذلك، لم توقع كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على هذه الالتزامات، مما أثار تساؤلات بشأن التعاون الدولى فى تنظيم الذكاء الاصطناعي.
ركزت القمة على الابتكار والاستثمار فى مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن الرئيس ماكرون أن فرنسا ستستثمر 109 مليارات يورو فى الذكاء الاصطناعى خلال السنوات المقبلة، فى حين ناقش نائب رئيس الولايات المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية ضرورة وجود تنظيم معتدل يشجع على نمو الذكاء الاصطناعي.
شددت القمة على أهمية التعاون العالمى فى إدارة الذكاء الاصطناعي، حيث أكد القادة على ضرورة التنسيق المشترك لوضع معايير أخلاقية ومعالجة قضايا التحيز، والاستدامة، وإتاحة الوصول فى مجال الذكاء الاصطناعي.
شهد البيان الختامى للقمة توقيع 60 دولة على التزامات طوعية بشأن استخدام التكنولوجيا الناشئة من أجل تحقيق الشمولية والاستدامة، غير أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم توقّعا على الاتفاق. وقد تبنت الإدارة الحالية فى الولايات المتحدة موقفًا يؤكد أن القوانين الصارمة قد تعيق تطور صناعة الذكاء الاصطناعي. وبالمثل، يعتمد موقف المملكة المتحدة على التنظيم الذاتى والمبادرات التى تقودها الصناعة.
كانت الصين، باعتبارها واحدة من الدول الرائدة فى مجال الذكاء الاصطناعى وأكبر منافس للولايات المتحدة فى هذا القطاع، حاضرة فى القمة، ممثلة بنائب رئيس الوزراء الصيني، زانغجوجينغ، الذى أكد أن بلاده مستعدة لمشاركة تقدمها فى الذكاء الاصطناعى مع الدول الأخري. ويُعتبر حضور المؤتمرات الدولية عنصرًا أساسيًا فى إستراتيجية الصين لتحقيق الريادة العالمية فى الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى لأن تُعترف بها كلاعب رئيسى فى مجال التكنولوجيا، ملتزمة بالحوار والتعاون الدولي.
هذه النتائج تعكس جوهر القمة التى سعت إلى تحقيق توازن بين الابتكار، والسلامة، والتعاون الدولى فى مجال تطوير الذكاء الاصطناعي. أما التحدى الحقيقى فيتمثل فى مدى فعالية متابعة هذه الالتزامات وتنفيذها، فى ظل بيئة جيوسياسية تتسم بالتغير المستمر والتحديات المتزايدة.