عندما أطلقت وزارة العمل مبادرة «مهنى ٠٣٠٢» كنت من أشد المتحمسين لهذا المشروع الذى لو تم تطبيقه عمليا لحول ملايين الشباب من الخريجين غير المؤهلين لسوق العمل إلى طاقات منتجة.. يمكن أن يكونوا اللبنة الأولى للانطلاق نحو الاقتصاد المنتج وليس المستهلك.. وعقب نشر مقال سابق حول تأهيل الشباب لسوق العمل المحلى والخارجى وصلتنى مئات الرسائل من الشباب الباحث عن فرصة تأهيل حقيقية يستفيد منها بغض النظر عن المؤهل الذى يحمله.. لأن دراستنا النظرية شيء.. وسوق العمل والواقع شيء آخر.. حتى تجربة مدارس التدريب المهنى التى بدأت لدينا فى السبعينيات.. سارت فى نفس الاتجاه النظرى ولم تكن سوى مسمى للدبلوم المهنى بدل دبلوم تجارة.. وصناعة.. صار دبلوما مهنيا.. مجرد شهادة دون تدريب عملى وزادت من طابور العاملين.. ولا نريد لتجربة أو مبادرة وزارة العمل «مهنى ٠٣٠٢» أن تكون مجرد اجتماعات ولجان وورش عمل واقتراحات.. وبرنامج على ورق يتقدم به مسئول لإثبات فكرة أو انه «راجل شغال» وغير سابقيه.. وانه جاء بجديد.. لكن النتيجة لا شيء.. لا نريد أن يكون المشروع مجرد «حبر على ورق» وملفات واقتراحات لا تغادر الأوراق.. وآراء وأفكار تطرح فى جلسات نقاشية وحوارات مطولة.. والنتيجة لا شيء.. ولنا فى التجربة الماليزية.. نموذج وليس عيبا أن استفيد أنا صاحب حضارة الـ ٧ آلاف سنة من تجربة دولة ناشئة بزغت إلى الأضواء بداية ثمانينيات القرن المنصرم.. فماذا فعل الدكتور مهاتير محمد بانى ماليزيا ورائد نهضتها وفريق العمل الماليزى معه قبل أن يتولى مهاتير رئاسة الوزراء.. وهو رجل وطنى ودارس للسياسة والاقتصاد.
ماليزيا كانت عبارة عن طوائف قبلية تدين بأكثر من ٣٢ ديانة.. مجتمعات بدائية.. طوائف متصارعة.. حياة قاسية.. اقتصاد ضعيف.. دخول متدنية.. فماذا فعل بانى ماليزيا ورائد نهضتها.. جمع الشباب من ٨١ عاما إلى ٠٤ عاما.. فى معسكرات مغلقة.. فى الأندية والجامعات.. والمدارس.. ومراكز الشباب.. لا صوت يعلو فوق صوت هذه المعسكرات الداخلية التى تضم مئات الآلاف من الشباب معسكرات مغلقة «آكل شارب نايم تدريب» داخل المعسكرات نظام.. انضباط.. تدريب على كل المهن التى تخطر على بال بشر والتى تبنى مجتمعا شاملا من سباك.. لنجار.. لعامل صرف صحي.. لكهربائي.. لسائق.. لفنى تفصيل.. لعامل بناء.. ميكانيكا.. سمكرة.. نقاشة.. وضع الدراسة جانبا لم ينظر لمؤهل أو جنس أو دين أو لون.. التزام وعمل.. واستعان بكل علاقاته خلال دراسته فى بريطانيا.. فمدوه بالورش والأجهزة والخبرات التى ساهمت فى نجاح فكرته وتدريب شبابه.. وبعد ٦ أشهر متواصلة من التدريب العملى والانضباط والالتزام.. منحهم اجازة لمدة اسبوع.. وحدد موعد الحضور عقب الاجازة إلى المعسكرات.. واستبعد كل من جاء متأخرا عن الموعد.. لغرس الالتزام قبل كل شيء فى شباب المستقبل.. وعقب انتهاء فترة المعسكرات كان لديه بعد عام واحد من التدريب جيوش من العمالة الماهرة فى كل المهن.. وانطلقت ماليزيا فى العمل والانتاج والتصدير.. بل صار شباب ماليزيا الذى عمل خارجها مصدر دخل قومى للوطن.. وانطلقت ماليزيا حتى صارت من أكبر الدخول عالميا.. وتحولت من مجتمعات بدائية إلى نمر آسيوى بارز.. واقتصاد قوى ومستوى معيشة مرتفع.
>>>
وإذا كنا نحن دولة شابة وأكثر من ٠٦٪ من عدد السكان فى سن الشباب.. فلماذا تزداد البطالة لدينا.. بينما صار السباك والكهربائى عملة نادرة.. وصار السباك يلقب بالدكتور تتصل به عشرات المرات حتى يلبى ويغالى فى أجره.. وتدفعه عن طيب خاطر وإلا لن يعود إليك لو طلبته مرة أخري.. لماذا صار «الحلاق» صاحب فيزيتا تقارب كشف الطبيب.. لماذا يهدد مثلا سائقو أى وسيلة مواصلات بالاضراب لفرض شروطهم.. لماذا نصر على الدراسة الجامعية النظرية.. والمدارس الصناعية لدينا.. اسم على غير مسمى كيف تكون مدارس صناعية.. والدراسة فيها نظرى وفى الفصول ولا يذهب إليها الطلاب إلا عند الامتحان والحصول على الدبلوم.. كيف تكون مدارس التدريب المهنى لدينا عبارة عن حصص نظرى على المقاعد.. ضاعفت من طوابير العاطلين.. كيف تكون دولة شابة.. بينما غير منتجة ولا مصدرة ولا يوجد فيها عمالة فنية حتى لسوق العمل الداخلي.
>>>
أتمنى من القوى العاملة أن يكون مشروع «مهنى ٠٣٠٢» عملياً.. فمئات الشباب لا تعرف عنه شيئاً.. ولا أين التدريب.. ولا على ماذا يتدرب.. حتى السباك لدينا أو مصفف الشعر.. لا يقبل أن يدرب أحداً.. هذه شكوى عشرات الشباب الباحث عن فرصة عمل.
>>>
وسؤالى إلى الدكتور حسن شحاتة وزير العمل أين أماكن التدريب.. وكيف يلتحق الشاب بالتدريب بعيدا عن المحسوبيات والوساطة.. أو التسجيل على مواقع الوزارة دون رد؟!
.. نأمل الكثير والكثير من هذه المبادرة.. ولا نريد أن يكون الواقع مثل المدارس الصناعية والتدريب المهني.. نأمل أن يكون عملياً يحول جيوش العاطلين إلى منتجين!!