مازالت أجواء التغيرات الصحفية الأخيرة التى جرت فى المؤسسات الصحفية القومية تسرى فى جنباتها.. تحمل الكثير من الأمل فى التطوير للمحتوى بغرض جذب انتباه قارئ الصحيفة الورقية ومحاولة استعادته مرة أخرى بعدما تعرض اهتمامه وشغفه المعرفى اليومى إلى عملية استيلاب مما يطلق عليه هذه الأيام رسائل النت والتواصل الاجتماعى التى أغرقت الناس فى بحورها.
ولا شك أن هذا الدور بل الجهد الهائل الذى تفرضه هذه المهمة الصعبة خاصة على القيادات الصحفية الجديدة.. يفرض على كل العاملين فى تلك المؤسسات من صحفيين وعمال وإداريين تعاوناً وتكاتفاً من أجل إنجاز هذه المهمة فى هذا التوقيت الصعب الذى تلقى فيه الظروف الاقتصادية الصعبة بظلالها على كل العناصر والإدارات سواء البشرية أو الفنية واللوجستية.. وهو ما يتطلب أيضاً عملية عصف ذهنى لكل الأفكار الخلاقة التى يمكن أن تساهم فى إعادة الصحف إلى حلبة السباق والمنافسة الشرسة التى تجرى على مسار الإعلام بكل أشكاله الصحفية الورقية والتكنولوجية والرقمية والفضائية وفى المقدمة منها أيضاً هذا «الغول» الذى يتحرك بين أيدى الناس فى كل مكان وأقصد به التليفون المحمول بكل ما يحتويه من تطبيقات مختلفة يسلب عقولهم ويستنزف وقتهم ومالهم وجهدهم ولا يترك أدنى مساحة لغيره لكى يقدم شيئاً منافساً لقدراته الخارقة.
ولكنى أتصور أن شيئاً واحداً أعده ميزة كبرى تنفرد وتتفوق بها الصحف خاصة الورقية منها وتستطيع من خلالها أن تستعيد دورها.. ألا وهى المصداقية الشديدة لها التى تعتمد على التدقيق والتحرى الواسع والأمين الذى يقوم به محرروها ويزيد منها المحترفون القائمون على تقديم المنتج الصحفى النهائى ليصل إلى يد القارئ صحيحاً وصائباً إلى أقصى درجات المصداقية التى تزيد من الثقة والاطمئنان فى نفوس المتلقين للرسالة الصحفية المنشودة.
>>>
بالتأكيد.. المهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة ويحسب للدولة مساندتها للصحف القومية باعتبارها حائط صد قوى ومنيع للأمن القومى بمفهومه الواسع خاصة فى مواجهة الشائعات ومؤامرات الفتن والتضليل التى تجرى ليل نهار عبر وسائل التواصل من أهل الشر.. فلم تعد الصحافة ملفاً منسياً كما كان فى الماضى يمكن أن يصيبه الترهل أو الجمود.. أو يتسلل بين جنباته الفساد الإدارى أو حتى الإدارة السيئة لدفة العمل ولو بحسن نية.
ولعل تشكيل مجالس إدارات الصحف بعد إجراء الانتخابات بكل حرية ونزاهة وشفافية يفتح المجال أمام كل العاملين لتقديم رؤاهم ومقترحاتهم من أجل النهوض بتلك المؤسسات الصحفية العريقة.
وفى هذا الإطار أسمح لنفسى أن أقدم رؤيتى المتواضعة من منطلق متابعة لتطورات الأوضاع الاقتصادية غير الإيجابية خلال السنوات الأخيرة.
وفى هذا الصدد أقترح أن تتعاون المؤسسات الصحفية ككل فى مشروعات إعلامية وخدمية يمكن أن تدر أرباحاً عليها خاصة فى مجال الإعلانات.
وأتصور أنه يمكن أن يكون للمؤسسات الصحفية قناة فضائية إخبارية وترفيهية يكون لها نصيب من كعكة الإعلانات الهائلة التى تزيد إلى حد التخمة مثلما يحدث فى شهر رمضان حيث لا يسمح الإعلان للمشاهد أن يتابع مسلسلاً دون انقطاع يسرق متعته.
ويأتى من الحلول الذاتية أيضاً محاولة «إرجاع» المؤسسات نسبة من أجور العاملين فيها بدفعهم دفعاً للإنفاق من هذه المرتبات فى أنشطة اقتصادية خدمية تستحدثها مؤسساتهم.. فبدلاً من أن ينفق العامل مرتبه الذى تدره له مؤسسته بشق الأنفس فى الأسواق والأنشطة الخدمية الخارجية يجد التزاماً أخلاقياً وانتمائياً للإنفاق فى وحدات مؤسسته أو المؤسسات ككل الخدمية إذا ما تكاملت.
ويمكن أن تكون نقابات العاملين فى هذه المؤسسات غطاء قانونياً يسمح لها بإنشاء هذه الأنشطة التجارية بحيث تخدم العاملين وأيضاً المواطنين من الخارج.. وأبرز هذه الأنشطة كما أقترح كالتالي:
١– مول تجارى ضخم يعتمد فى الأساس على بيع المواد الغذائية التى تمثل الإنفاق الأكبر لكل المواطنين فى مصر.
٢– شركة للنقل والمواصلات تخدم العاملين فى هذه المؤسسات كشركات النقل الذكى سواء فى تنقلاتهم لأعمالهم أو تنقلاتهم الخاصة.
٣– شركة للسياحة تنظم رحلات للحج والعمرة والرحلات الداخلية كالمصايف وغيرها.
٤– مراكز تعليمية وثقافية كمجموعات لتقوية طلاب المدارس والتأهيل فى اللغات والتكنولوجيا وغيرها.
٥– قاعات لإقامة الحفلات العامة والخاصة وتلحق بها مراكز خدمية لصيانة الأجهزة والحياكة والتجميل وغيرها من احتياجات حياة اعتاد أن ينفق فيها الناس دخولهم مثل الصالات الرياضية والجيم.
>>>
وتبقى ملاحظة أخيرة وهى إعادة الاهتمام بباعة الصحف الذين بدأوا يندثرون خلال السنوات الأخيرة إلى حد مخيف يهدد توزيع الصحف وقد كان لنقابة الصحفيين فى الماضى دور فى الحفاظ على نشاطهم من خلال الأكشاك.. وكذلك تأتى أهمية إعلان الصحف عن نفسها لإشعار القارئ أن هناك تطويراً للمحتوى وذلك حتى يعود مرة أخرى إلى صحيفته الورقية أو الإلكترونية مثلما يتكامل الاثنان معاً الآن فى كثير من دول العالم.