يقول المنطقيون أو المناطقة إن العلم لاحظ أن كلاً من التصور والتصديق ينقسم إلى بدهى ومكتسب؛ فالبديهي: هو ما لا يحتاج إدراكه إلى تأمل، أما المكتسب فهو ما نتأمله بعين اليقين. وما كان حال (العلمين) الآن إلا فرصة للتأمل فى ما صارت إليه دلالات هذا المكان، ومعناه الذى تحول من مجرد مكان إلى تحدٍّ ونموذج أداره المصريون باقتدار.
وكما يقول المناطقة عن المفهوم والماصدق: يطلق لفظ المفهوم ويراد به مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التى يثيرها اللفظ فى ذهن السامع والقارئ، أي: هو ما يفهم من اللفظ، أي: معناه.
أما الماصدق: فهو المسميات الخارجية التى يصدق عليها اللفظ، وهى الأشياء التى جاء هذا اللفظ ليسميها.
ومن هنا كانت (العلمين) عند الغالبية تعنى أمرين؛ أحدهما على وجه الخصوص كان يرتبط بمعركة العلمين، وبالتالى لا يأتى ذكرها إلا فى مشاركة قدامى الحرب العالمية الثانية فى تأبين ذكرى زملائهم، وأيضًا فى مطالبة مصر بصفة دائمة مشاركة دول المحور والحلفاء فى تطهير العلمين من حقول الموت أو الألغام. وكلا الأمرين كانا موسمى الاهتمام.. وأيضًا على وجه العموم ما كانت (العلمين) عند عموم المصريين سوى صحراء شاسعة مطلة على البحر وتندر فيها مقومات الحياة من استقرار واستمرار،
هذه كانت مفردة (العلمين) لدى المصريين وغيرهم.
أما ما تبدل إليه الحال –الآن– فهو تغير دلالة اللفظ ومعناه أيضًا. وهنا نعتمد فلسفة التغيير التى مال إليها عموم الفلاسفة وحادوا عن الجمود والتجمد(!) وشخصيًّا أعتقد فى كون التغير والتغيير من سنن الوجود بعكس ما قاله أحد الفلاسفة وأهمهم لدينا –ابن خلدون-: لا جديد تحت الشمس…
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن مشاركة الفرد فى بناء مجتمعه ضرورة حضارية –كما فى فلسفة (التغيير الاجتماعي) عند مالك بن نبي– إذ يذهب إلى أن إِحداثَ التغيير ضرورى من أجل الارتقاء بمستوى الفرد وبالتالى بمستوى المجتمع، ذلك أن مالك بن نبى يرى أنه: «لكى نبنى مجتمعًا متحضرًا يجب علينا أن نجعل الفرد يؤمن بضرورة المشاركة فى هذا البناء؛ حيث يعمل كل فرد على تحقيق المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة»… وهذا الفعل هو ما قدمته المتحدة فى (العلمين)، وهنا بيت القصيد، فعندما شارك عموم المصريين فى بناء (العلمين)، بات لكل واحد منا قصد فى البناء، وهو الصالح العام لحاضر المصريين ومستقبلهم، وتجلى الفعل الحضاريفى مشاركة الثقافة فى هذا البناء. وفى تصوريهى المشاركة ذات الفاعلية الأعظم لإحداث التغير، إذ لا يتطلب الأمر بناء الحجر فحسب، إنما من الأهم –أيضًا– بناء وعى عام لمجموع المصريين بحتمية تغير الحال وتبدل الواقع من مجرد صحراء جرداء –وهى الصفة الدالة على (العلمين)- إلى مقاصد لفرص التحضر المجتمعى والتطور العمرانى والخلق الثرى والخصب لفرص الاستثمار الفردى والجماعي، وبالتالى لن يغير المفهوم سوى الثقافة بأذرعها المتنوعة والمتشابكة، ولن يبدل حال الجمود من السكون إلى الحركة سوى الفنون والآداب اللذين يحكمان بناء الوعى والوجدان ويغيرا الفكر من المتجمد المسلم بالأمر الواقع، إلى المتغير الخلاق المبدع لصور المدنية الحديثة، إلى هذا الجانب المادى والملموس من الحضارة التى ينشدها المصريون «مصر الجديدة».
من هنا أضحت مفردة العلمين ذات دلالة مغايرة لماضيها حتى عهد قريب –سنوات معدودات–
وللحديث بقية