راح صديقي الذي ناهز الخمسين من العمر والجالس أمام جهاز لاب توب يجرب تطبيق أحد البرامج الإلكترونية الجديدة، وعندما لم يفلح صاح في عصبية بالغة قائلا يبدو أن هذا العالم لن يسمح بالدخول إليه رغم كل التعليمات والتدريبات من ابنتي التي تقول لى دائماً وهي تضحك آخرك بالكاد تأشيرة سياحة، لا إقامة ولا هجرة يبدو أن المستحدثات الإلكترونية أو الرقمية خاصة صار لها تصنيفها الخاص للبشر وهو تصنيف يتضمن نوعين الأول المواطن الرقمي الذي ولد ونشأ مع ميلاد الحياة الرقمية.
الثاني: المهاجر الرقمي الذي عاش سنوات قبل وجود هذه الحياة أى حديث العهد بها لكن محبة الجديد والتعرف على المستحدث جعلت البشر يجاهدون للحصول على حق الإقامة أو المواطنة في هذه الحياة الرقمية مثل صديقي الذي لم ينجح أصلا في الهجرة إليها ليكتسب شرعية الهجرة الرقيمة لا حلم المواطنة.
وبالطبع هناك حقوق وواجبات للمواطن الرقمي منها التميز بهوية منفردة لها خصوصيتها وله حق إثراء المحتوى الرقمي بمعلومات وأنشطة يختارها بعناية، وعليه واجب أن يستخدم هذه التكنولوجيا بعقلانية ووعى بمخاطرها وبينما يسعى كثرة من الناس إلى تسجيل أنفسهم في ملفات الهجرة الرقمية ومحاولة التكيف معها وتعلم أساليبها والالتحاق ببرامجها الجذابة والمثيرة للاهتمام وأولئك الناس قد عاشوا في سنوات سابقة على سيادة الحياة الرقمية ويتصورون أنهم لن يعيشوا حياتهم على النحو الأفضل بدونها.
وقد صاغ مارك پرینسكي مصطلح المهاجر الرقمي عام 2001 واعتبر أن من ولد قبل عام 1985 مهاجر رقمي إذ جاءت معرفته بالتكنولوجيا الرقمية في مرحلة لاحقة من حياته، إنه ليس مواطنا إلكترونياً أصيلاً! ويختلف المواطن الرقمى عن المهاجر الرقمي في أسلوب التعلم، فالمواطن الرقمي أكثر استجابة وسرعة في الفهم واستيعاب الأداة الرقمية الجديدة بينما يحتاج رفاقهم من المهاجرين وقتاً أكثر وتعليما متسلسلاً ومنطقياً لكي يكون بوسعه إدراك أسلوب التعامل مع الأداة الرقمية وسواء كنا نرغب في الهجرة الرقمية أو اكتسبنا المواطنة الرقمية بالفعل فإننا أمام تحديات ومخاطر أهمها أن خصوصياتنا المعلوماتية عرضة للهجوم مهما كانت تطبيقات الحماية والتشفير التي تبدو آمنة !!
كما أن الوسائط الرقمية قد يتم التلاعب بها لتحدث مشكلات أخلاقية متفاقمة ومتعاظمة، وأخيراً فإن معدلات البطالة من البشر تزداد يوما بعد يوم بعد سيادة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، إنهم البشر يسلبون بعضهم بعضاً وظائفهم ويسببون معاناة حياتية وفى النهاية تبدو المأساة الإنسانية كامنة في فرصة التواصل مع كل البشر في العالم الافتراضي لكن بمعزل شخصي عن البيئة المحيطة به الأسرة والأصدقاء مثلاً، ويتبقى للإنسان في هذا العالم كلمات المبدع إبراهيم عبد الفتاح طول ما النهار الخير بإمكانو يطوى سواد الليل وأحزان وأطر الحياه عمرو ما حيفوتك.. مين ده الكاره دنيتك و بيشتهى موتك… مين ده إلى موتو بكلمتك وحيا توفي سكوتك.