من أبرز تجليات فوضى السياسة العشوائية ذلك الصراع الدائر الآن بين الولايات المتحدة والصين المؤسس لحرب باردة حديثة.. وما يصحب تلك الحالة من مقارنات سريعة شاملة ودقيقة لعناصر وأركان المواجهة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها..
مقارنات كاشفة لموازين القوى فى مختلف المجالات.. إجمالى الناتج المحلى حجم الاستثمار الأجنبى المباشر وسوق الأسهم والسندات والعناصر المختلفة للعملية الاقتصادية وأركان ووسائل التنمية والطرق إلى تحقيقها على الارض..الى جانب مقارنات القوة العسكرية ومن يستطيع فرض الهيمنة والغلبة بالقوة والى أى مدى وعلى أى صعيد..
لم تتوقف المقارنات على إمكانيات الدولة وقدراتها الاقتصادية والعسكرية بل أيضا تركز على بيان قوة الحلفاء مع كل دولة وكفة من ترجح سياسيا أو اقتصاديا وكيف يمكن تحقيق التوازن من عدمه وكذلك أساليب الضغط الممكنة للحد من قدرات كل طرف إزاء المواجهة مع الاخر المنافس المشاكس والعنيد..
ولعلها من أصدق الرسائل واقواها إلى دول العالم كافة وخاصة الواقعة بين فكى الرحى أو فى مرمى النيران الصعبة لتكتشف عناصر القوة ونقاط الضعف بما يمكنها من رسم خريطة للإنقاذ بكل جدية وباقصى سرعة أيضا قبل الانهيار العظيم..او لتعرف كيف تتصرف فعليا مع الخطر الواقع عليها أو المحتمل مواجهته..وهى تمنح الدول الصاعدة فرصة أيضا للتعرف على إمكانياتها الحقيقية وما تمتلكه من موارد طبيعية أو قدرات خاصة تشكل عناصر مهمة فى المواجهة..وهى أيضا كاشفة لطرق الابتزاز ومحاولات السرقة والهيمنة على الموارد الطبيعية بأبخس الاثمان وهوما يذكرنا بسياسات الاستعمار القديم وحملاته العسكرية على الدول الفقيرة ومنهجه فى نهب الثروات الطبيعية والمواد الخام وتصديرها ومنع أى محاولة لتصنيعها والإفادة منها وطنيا..ولعل معركة المعادن النادرة على الساحة الآن سواء من جانب الإدارة الامريكية أو الحكومة الصينية كاشفة وتطرح النموذج الصارخ للصراع وإلى اين يمكن ان يصل..
لعل تفاصيل المواجهة التى باتت تمارس علنا وعلى شاشات الفضائيات وبلا ادنى حرج أو مراعاة لقواعد اللياقة أو الدبلوماسية دفعت العديد من الدولة التى لاتزال تحتفظ بجزء من كرامتها الوطنية ان تتحسس كل ما لديها من إمكانيات وعناصر نادرة أو غير نادرة وتاثيرها فى الاقتصادات القومية الوطنية.. وتنبه القادة السياسيون إلى كثير من أوراق الضغط أو القوة التى تمتلكها فى المواجهة مع العدو الحاضر أو المحتمل..
لا أتصور ان تلك الأمور تغيب عن عقل وفكر مراكز الأبحاث الوطنية وهى ترصد وتدقق ما يجرى ليس فقط فى العلن بل ما يحدث ويتفاعل وراء الكواليس فوراء الاكمة ما وراءها بكل تأكيد..
اللافت فى تلك المقارنات هو ما يتصل بالمنهج وطبيعة التوجهات الحاكمة والمسيطرة والتى تصنع دائما الفرق فى الصراع فوفقا لما رصده الكثير من الخبراء والمراقبين لتداعيات الاحداث قبل ان تصل إلى نقطة الانفجار والذى يخلق حالة التمايز بين الحالة الامريكية والصينية.. فأمريكا تسعى بالدرجة الأولى إلى فرض السيطرة والهيمنة على العالم بكل وسائل الاختراق وبالقوة المسلحة وخلق كيانات سياسية موالية أو موازية لتنفيذ مخططاتها ولو ضد المصلحة الوطنية للدول الحليفة والصديقة والمتمردة أيضا.
اما الصين فتسعى للنمو وتحقيق نهضة اقتصادية وجذب المزيد من الاستثمارات حول العالم بعيدا عن أى صراعات سياسية مباشرة ولعل هذا ما ساعدها على الانتشار والهيمنة على السوق وإخضاع آلياته وفقا لسياساتها المرتكزة على ما تملكه من عناصر القوة سواء المادية أو المهارات الفنية العالية والتى تضمن لها التفوق التكنولوجى إلى جانب الوفرة الوفيرة فى الايدى العاملة الماهرة المدربة..
هذه خلاصة حقيقية لمن يزرع الخير ومن يصر على زراعة الشوك..
والله المستعان..