المثقف الحقيقى هو الذى يستطيع أن يقود تغييراً فى مجتمعه، تغيير الأفكار والثقافات والأدبيات، وصولاً إلى تغيير واقع الناس، والمفكر الحقيقى هو الذى يصل بأفكاره وتأملاته إلى مناطق غير مأهولة، حيث الأطروحات الجديدة والأفكار التى تخرج من رحم الخيال لتحول الأحلام إلى حقيقة، فدور المثقف وكذلك المفكر لا يقتصر على كونه عالماً أو مطلعاً موسوعياً، لابد أن يكون قادراً على إحداث التغيير وصناعة الأدبيات التى تمثل أوعية وأردية لهذا التغيير، إننا نعيش فترة تحولات كبرى واذا لم نكن قادرين على أن نكون جزءاً من هذه التحولات سنكون حتماً احدى ضحاياها، من هنا استنهض همم أصحاب الفكر المستنير وأصحاب الثقافات غير المؤدلجة أن يخرجوا من قاع بحيرة الانحيازات الغبية التى تنتج الروايات المبعثرة التى تكون فى كل الأحوال سبباً ونتيجة لتفكك الضمير الجمعى وغياب الروايات المشتركة، من المقبول أن ينحاز المرء منا إلى حزمة من الأفكار والنظريات بل والأشخاص أيضا لكن من غير المقبول أن نكون أسرى لتلك الانحيازات حتى ولو ثبت لنا يقينا أنها ضحلة وسطحية وخاطئة وغبية، علينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا لاستقبال أفكار جديدة ورؤى مختلفة والاستماع الى آخرين، فليس من العقل أو الحكمة أن نظل منكفئين على ذواتنا ونصم آذاننا عن كل صوت مختلف معنا، عن تجربة شخصية أتحدث، كنت أظن أننى أمتلك ناصية الحقيقة وعين الصواب فقط لإننى أرانى مجردا من الهوي! ومع مرور سنى العمر اكتشفت أن هذا المفهوم هو قمة الانغماس فى بحور الهوي!، فلا يوجد على ظهر الارض من يملك كنوز المعرفة بمفرده ومع زوال عصور المعجزات فلابد من الأخذ بالأسباب وعدم انتظار هدايا تتساقط من السماء ، كان المصريون يجتمعون على مجموعة قيم أو حزمة اهتمامات تخلق ضميراً جمعياً تتم ترجمته إلى سلوك جمعى ينعكس على تماسك المجتمع وتحقيق اللحمة الوطنية، بيد أن هذه الاهتمامات المشتركة قد تلاشت وتبخرت على أنغام صوت الإعجابات والمتابعين والمغردين فى عصور السوشيال ميديا وما بعدها، حدث تفكيك خطير لكثير من الثوابت تحت مظلة الحريات وتم اغتيال الحب تحت عجلات قطار المصالح الضيقة، أصبحنا نعيش عصر الانحيازات الرخيصة والغبية والمبعثرة ولم نعد نقوى على قبول الآخر ومنحه الحق فى التعبير عن وجهة نظره، وحتى هذا الآخر لم يعد قادراً على الخروج من دائرة المظلومية ويرفض هو الآخر الرأى الآخر، لذلك نحن فى أمس الحاجة إلى تجديد العقل المصرى دون إبطاء.