مصر رائدة الدراما العربية «الفيلم ـ المسلسل ــ المسرحية» لا شك فى هذا.. رغم تطور الحركة الفنية فى اغلب الدول العربية التى بدأت تعتمد على عناصرها المحلية والتركيز على ثقافتها وتقاليدها وتراثها وهو امر يجعلنا نقول بالفم المليان «الدراما أمن قومي» فهى صانعة الوعى والبهجة والتسلية وذاكرة الامة.. الا تعرف ان الصورة الوحيدة عن ثورة 1919 هى تلك التى صنعها المبدع حسن الإمام فى فيلم «بين القصرين» حيث نرى المظاهرات تندلع وتخرج الحشود وينقلب الترام فى لقطة تاريخية تكتمل بذلك الهتاف المصاحب للصورة: عاش الهلال مع الصليب وكأن هذا الشعب يدرك من قديم الازل ان من يريد ان يفتت عصب البلد عليه بالفتنة بين مسلمين واقباط.. صعايدة وفلاحين.. اهلى وزمالك.. غنى وفقير.. رجل وامرأة.. شباب وعواجيز.. وكلما فتح اعداء البلد للفتنة بابا.. اغلقه الشعب بوعيه وحاسته الوطنية بعيدة المدي. ومع مطلع عام جديد ماذا نريد من دراما 2025 ذلك هو السؤال الذى يتكرر كل عام.. لكن هذه المرة يجب ان يختلف لاسباب عديدة اهمها ان المنطقة كما نرى فى سوريا والسودان وليبيا واليمن وفلسطين تعيش على سطح صفيح ساخن..
صورة 25
فى هذا المكان كتبت منذ اربع سنوات تقريبا ان المنصات سوف تغير شكل الدراما ومضمونها.. وقد رأينا كيف حاولت منصة «وتش إت» المصرية ان تصمد بقوة ونجاح فى مواجهة انتاج بميزانيات كبيرة لمنصة امريكية مثل «نتفلكس» ولانها صاحبة المال تأخذ الموضوعات إلى حيث تريد.. وليس هذا فحسب فهى تعرض انتاجها المتنوع وفيه ما فيه مما يتعارض مع قيم وثقافات مجتمعاتنا العربية ربما لا نملك منعها فما علينا الا أن نجود فى انتاجنا.. وان يكون التركيز على ما يحفظ هويتنا فى ظل تلك العولمة الشرسة العاصفة.. نقدم تاريخنا.. ونربطه بحاضرنا ومستقبلنا وفى ذلك قدمت الشركة المتحدة مجموعة من الاعمال التى تؤكد هذا الخط وترصد لحظات تاريخية عاشها الشعب وكانت تضحيات جيشنا وشرطتنا هى حائط الصد المنيع خاصة وان الشعب كان معهما على طول الخط لحظة بلحظة وكما كان عندنا «ليالى الحلمية» و»الهجان» ونجحت اجزاء مسلسل «الاختيار» أن يقدم ابطال محاربة الارهاب.. عسكريا بالتوازى مع اعمال تناولت دور اجهزة المخابرات المصرية والأمن فى رصد الارهاب وتتبعه داخل الوطن وخارجه «هجمة مرتدة ــ القاهرة كابول ــ الاختيار بالاجزاء العديدة التى قدمها ــ الكتيبة 101 ــ فيلم السرب ــ فيلم الممر…»
وهى هنا ليست مجرد اعمال فنية.. لكنها ضرورة قومية.. والدراما يمكنها ان تلعب الكثير فى حياة الامم وقد ذكرت قصة انتاج فيلم «بورسعيد» بتكليف الرئيس عبدالناصر للفنان فريد شوقى وبعد اشهر قليلة من العدوان الثلاثى على مصر..
عم مهند
وبعيدا عن الاعمال الوطنية بانواعها علينا ان نتذكر كيف ان المسلسلات التركية رغم مستواها الفنى المتواضع لكنها نجحت فى الترويج للسياحة التركية ورفعت معدلاتها بين الزوار العرب إلى اعلى المستويات.. وهو ما جعلهم بعد ذلك يقدمون سلسلة عن التاريخ العثمانى بمستويات فنية اعلى وهذا حقهم.
ولان الدراما المصرية كانت وما تزال هى الرائدة والاكثر انتشاراً فالمتحدة الآن تقود توجها رائعًا وهو التخلى كليًا عن مسلسلات العنف والبلطجة والمخدرات وتجارة الاثار والاعضاء.. من اجل انتاج مسلسلات تاريخية ودينية وايضا عصرية تبرز قصص كفاح الناس الشرفاء البسطاء وهى بطولات لا يجب ابداً النظر اليها بعين الاستخفاف لانها امن قومى وان نقدم الاعمال بزاوية متوازنة لا شر مطلق ولا خير مطلق.. لان الحياة وكما خلقها المولى سبحانه وتعالى قائمة على هذه وتلك.. ومع نظرة الجمهورية الجديدة لاصحاب الحالات الخاصة وتكريم رئيس الجمهورية لهم فى اكثر من مناسبة واحتضانهم.. هذا جانب لابد من رصده دراميا.. فى قصص وحكايات وهذا ما تسير فيه الشركة المتحدة.
وعلى الأفلام والمسلسلات اختيار اماكن تصوير فى منشآت اقامتها الدولة وتروج لها استثماريا خاصة العاصمة الادارية الجديدة.. والعلمين وما يتم فيها من احتفالات والدراما مثل الكتاب يعيش لسنوات بينما الحفل اشبه بالجريدة الجديد فيها يغطى على القديم.. حتى وان تم تخزينها فى الارشيف.
البعد العربي
رغم تواجد مجموعة كبيرة من النجوم العرب فى مصر يمارسون العمل إلى جانب الفنان المصري.. وبعضهم يعيش هنا بشكل دائم.. بالاضافة إلى من يتم الاستعانة بهم بين الحين والاخر واصبحوا قطعة من المشهد الدرامى لا تنفصل عنه بلا تمييز لكن اين الموضوع العربى المشترك؟.. هذا هو السؤال فى ظل وجود جمال سليمان وهند صبرى وآياد نصار ومى سليم وكندة علوش ودرة وباسل الخياط وتيم حسن وفراس ابراهيم وتميم عبده وصبا مبارك وعائشة ا حمد وغيرهم.. لماذا لا تذهب الكاميرا إلى تونس والمغرب والصحراء الليبية والى الرياض والدمام والدوحة والكويت وباقى العواصم والاماكن المجهولة لغالبية العرب حتى من اهل البلاد انفسهم.. فكم مصرى على سبيل المثال ذهب إلى الوادى الجديد وإلى سانت كاترين وحلايب وشلاتين.. وكربلاء والنجف وبابل وطنجة وجنوب السودان وجيبوتى ووادى القمر.
الانتاج المشترك يمكن ايضا ان يعتمد على الروايات العربية وقد صدرت فى السنوات الاخيرة مجموعة كبيرة منها فيها حكايات بديعة وشيقة.. تجدد دماء الدراما وستكون أفضل مما تم تقديمها باسماء لامعة موهوبة لكنها لم تنجح وبدت غريبة على المشاهد العربى ابرزها مسلسل «البدل» «SUITS» وقد يقول قائل لكن بعضها نجح مثل «جراند اوتيل».. وهذا صحيح.. لان اختيار اسوان واسلوب تعامل المخرج محمد شاكر كان ذكيا وهذا استثناء.. ثم ما هو المبرر وعندنا روائى نوبل نجيب محفوظ ومئات من اعظم كتاب الرواية والسيناريو فى العالم العربى قديما وحديثا.. ولم تعد مسألة الاستعانة بالنجوم الاوائل او «السوبر» حائلا بين انتاج مسلسلات كبيرة.. لان زمن النجم الاوحد انتهى والبطولة حاليا جماعية ووصلت إلى اسماء شابة سلمى ابوضيف واحمد داش واحمد مالك.. ومعنى ذلك ان الموضوع او النص هو اساس العملية الدرامية.. وبعد ان ثبت فشل ما يعرف بالورش لان الكتابة ابداع وابتكار وخيال ووجهات نظر.. وقدرات تختلف من كاتب لاخر.. وفى السنوات الاخيرة 90 ٪ من المسلسلات التى نجحت.. كان خلفها مؤلف واحد «عبدالرحيم كمال ــ هانى سرحان ــ محمد سليمان ــ باهر دويدار» وشركة المتحدة التى تقدم ما يدعم نجاح أى عمل.
لون جديد
ارتفاع المستوى التكنولوجى فى التصوير والمونتاج والجرافيك والاضاءة يجب ان يترجم نحو الافضل فى الاخراج والتمثيل ولن يتحقق هذا بدون سيناريو جيد.. ولن نرى ذلك بدون مؤلف مثقف عنده رؤية تجاه قضايا وطنه حتى لو كتب الكوميديا.. فهل وصلت الرسالة؟!\