قصفت غزة بسبع أضعاف قنبلة «هيروشيما»
على مدى 15 شهرًا، شهد العالم كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث قامت إسرائيل ومن يساندها بقصف سكان غزة العزّل بأكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، تعادل قوتها التدميرية سبع مرات قوة قنبلة «الولد الصغير» النووية التى أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما عام 1945، وأسفر العدوان فى غزة عن استشهاد أكثر من 48 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، تاركين وراءهم 40 ألف طفل يتيم، إضافة إلى إصابة مئات الآلاف بجروح متفاوتة الخطورة.
لم تقتصر الخسائر على الأرواح فقط، بل امتدت لتشمل دمارًا شبه كامل للبنية التحتية. فقد استهدفت الغارات الإسرائيلية المبانى السكنية، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، والمساجد، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية فى غزة. كما دُمرت شبكات المياه والصرف الصحى والكهرباء، مما تسبب فى أزمة إنسانية خانقة، حيث يعانى السكان من نقص حاد فى مياه الشرب، وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي، وغياب الرعاية الصحية والأدوية، إضافة إلى توقف العملية التعليمية جراء تدمير المدارس.
حجم الدمار مخيف.. فقد تم تدمير ما يقرب من 250 ألف منزل تدميرًا كاملًا، أى ما يزيد على 70 ٪ من مساكن القطاع، وتحولت الأحياء السكنية إلى مناطق منكوبة، مما جعل غزة مدينة للأنقاض والدمار. كما تعرضت الأراضى الزراعية الخصبة للخراب، ودُمرت الطرق الرئيسية بالكامل، ومن المتوقع أن يموت آلاف آخرون فى الأشهر القادمة نتيجة التدهور البيئى وغياب الرعاية الصحية، كما يحدث عادة بعد الحروب.
وسط صمت عالمى رهيب، خرجت بعض الأصوات الحرة المنادية بالعدالة، حتى من داخل إسرائيل نفسها، حيث هاجر ما يقرب من 600 ألف إسرائيلى إلى بلدانهم الأصلية، إدراكًا منهم أن فلسطين ليست أرضهم ولا تربطهم بها جذور حقيقية.. الأرض لا تشدهم اليها وهى لاتعنى لهم شيئاً.
وفقًا لتقرير البنك الدولي، بلغت خسائر غزة جراء هذا العدوان 18.5 مليار دولار، بينما تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بحوالى 70 مليار دولار، من بينها أكثر من مليار دولار لإزالة الأنقاض وحدها. وتشير التقديرات إلى أن حجم المخلفات الناجمة عن الدمار يصل إلى 50 مليون طن، أى ما يعادل 12 ضعف حجم الهرم الأكبر، مما يتطلب 15 عامًا لإزالتها. كما أن العملية محفوفة بالمخاطر بسبب الألغام الأرضية والمفرقعات غير المنفجرة، كما حدث فى منطقة العلمين والضبعة فى مصر بعد الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن احتمالية العثور على العديد من الجثث تحت الأنقاض.
إعادة إعمار غزة يعدّ تحديًا معقدًا للغاية فى ظل المناخ السياسى العالمى الحالي، حيث تسود النزعات الاستعمارية والاستبداد السياسي، وأصبحت القيم الإنسانية تُقاس بمعايير غير عادلة. ولكن المبدأ الواضح يقول: «من حضر العفريت عليه أن يصرفه»، أى أن إسرائيل ومن ساندها مسئولون عن دفع فاتورة إعادة الإعمار بالكامل، وهذا أقل ما يجب أن يقوموا به من أجل تعويض الفلسطينيين عن الدمار الذى تسببوا فيه.
يجب أن لا ننسى أبداً أن الحل الحقيقى هو إنهاء الاحتلال، وإعادة الأرض إلى أصحابها الشرعيين، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لتحقيق استقرار سياسى دائم، وإنهاء دوامة الحصار والحروب التى تُعيد غزة إلى نقطة الصفر مع كل تصعيد جديد. وفى ظل هذه المأساة المستمرة، يبقى السؤال الذى يفرض نفسه: متى سيتحرك العالم لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية، وفرض العدالة الحقيقية؟