تساؤلات مهمة حول «طوفان الأقصى»
باتت الأمور أكثر تعقيداً فى المنطقة ولكنها أكثر وضوحاً بعد سقوط نظام بشار الأسد، وضياع سوريا.. والرئيس السورى السابق هو السبب الحقيقى فيما جرى وحدث للدولة السورية، لكن ما جرى تنفيذه فى المنطقة حتى الآن، بدأ من طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر العام الماضي، وقلت وتساءلت ما هى الحسابات والتقديرات التى اتخذت المقاومة الفلسطينية على أساسها الهجوم على غلاف غزة هل نجحت فى إجبار دولة الاحتلال الصهيونى فى تنفيذ أهدافها.
الحقيقة أن إسرائيل هى الرابح الأول والأهم من طوفان الأقصي، ومن الواضح الآن أن دولة الاحتلال، خططت بشكل جيد لتنفيذ «طوفان الأقصي»، ليمنحها ذرائع وحقوقاً مزعومة فى الدفاع عن النفس وبالتالى تنفيذ ما أشار إليه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيونى عن الشرق الأوسط الجديد وتغيير الشرق الأوسط، وتهديداته وجره لإيران وأذرعها فى المنطقة لمواجهات مع جيش الاحتلال ولا أعلم ما إذا كان متفقاً عليها أم لا.
الحقيقة أن «طوفان الأقصي» وحتى لا يزايد عليَّ أحد أننى ضد المقاومة ولكنه الواقع والحقيقة التى جرت على الأرض منذ أكتوبر من العام الماضى كان هو النقطة التى انطلق منها تنفيذ المخطط، وصولاً إلى ما جرى فى سوريا بحسابات وهندسة شديدة الدقة تصور البعض فى البداية أنها مقاومة، وغيرها من الحماسيات والعواطف المشفوعة لنيله، لكن الأمور كانت مختلفة.. وأمام لعبة شطرنج، انتقلت من رقعة غزة إلى جنوب لبنان، وتم استدراج حزب الله لا أدرى عن قصد أو غير قصد وتدمير أو إضعاف قدراته وإجبار عناصره فى سوريا إلى الانضمام إلى قواته فى جنوب لبنان وإضعاف وإيجاد ثغرات فى المواقع السورية فى مواجهة الفصائل المسلحة وهو ما جرى أيضاً من استهداف إسرائيلى لقدرات إيران فى سوريا، وأيضاً الضغط المتواصل من جيش الاحتلال لمواقع عسكرية ومصانع كيماوية وأسلحة للجيش السوري، وقطع طرق وخطوط الإمدادات بين سوريا ولبنان وحققت دولة الاحتلال الصهيونى هدفين إضعاف القدرات العسكرية الموالية لسوريا وأيضاً الجيش السورى لصالح الفصائل المسلحة التى كانت تستعد وتتجهز وتتسلح بأحدث الأسلحة على مدار أكثر من عام انتظاراً لساعة الصفر أو الهجوم الذى شاهدناه وما كانت جبهات اليمن، والعراق إلا مجرد مناوشات لم تسمن أو تغن من جوع.
ما جرى فى سوريا أمر غريب وعجيب فلم يصمد الجيش السورى النظامى أكثر من عشرة أيام فى مواجهة الفصائل المسلحة ولم يبد الجيش السورى أى مقاومة، أو حتى وجود إرادة التصدى لزحف الفصائل المسلحة .. والغريب أن يخرج وزير الدفاع السورى فى نظام بشار ليعلن أن الانسحابات هى مجرد إجراءات تكتيكية وعندما سمعت وقرأت هذا الخبر قلت إننا أمام «صحَّاف» جديد، وأن الأمور فى طريقها لسقوط نظام بشار وضياع سوريا التى باتت مطمعاً للذئاب والإرهاب، والعدو الصهيوني، وربما فرحت جموع الشعب السوري، بانتصار الفصائل المسلحة، والتى بدت بتعليمات وتوصيات من أطراف المؤامرة التى صنعت بأياد أمريكية وصهيونية وإقليمية، وبدا لى المشهد مغالطات وخداعاً سوف تظهر حقيقته فى قادم الأيام.
بطبيعة الحال ما جرى يكشف أن هناك اتفاقات وصفقات وطبخات جرى تسويتها على «نار شديدة» ومتسارعة، فروسيا، ضمنت أمن وسلامة ووجود قواعدها ومصالحها، وتحدثت من قبل أنها كيف تدعم جيشاً يفر أمام الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى انشغالها فى معركة أوكرانيا أو ربما تلقت أو جرت اتفاقات على تسوية الحرب مع أوكرانيا بما يحقق مصالح موسكو فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب الذى سيدخل البيت الأبيض من جديد فى 02 يناير، لذلك روسيا مصالحها مستمرة سواء مع بشار أو مع غيره لكنها فى ظنى خسرت الكثير، وإيران باتت عاجزة عن حماية حليفها بعد قطع بعض أذرعها وتخلت عنه وربما هناك وعود لا نعلمها لصالح طهران تتعلق بالاتفاق النووى أو الأموال المجمدة، لكن بأى حال من الأحوال أذرع إيران فى المنطقة سواء فى سوريا أو حزب الله فى لبنان باتت معزولة وعاجزة، وربما يتم بترها، والأمريكان أيضاً وجودهم مازال قائماً فى سوريا ومصالحهم مستمرة، وسوريا ذاتها فى طريقها ربما إلى التقسيم أو ستكون بلا أنياب مستأنسة، والغريب والوقاحة الإسرائيلية، أنه فى ظل انهيار النظام السوري، نجد إسرائيل لا تكتفى باقتحام الحدود، ولكنها تقصف مواقع ومصانع أسلحة، وصواريخ باليستية ومراكز أبحاث للجيش الوطنى السورى فبالنسبة لها فرصة تاريخية للإجهاز على ما تبقى من هذا الجيش والقضاء على ما تبقى لديه، لضمان الضعف الكامل والشامل، لسوريا.
القادم فى سوريا غاية فى الصعوبة والتعقيد، وهى حلقة جديدة من الدول التى خرجت من معادلة القوة العربية، لتصبح أمام أزمات تتوسع وتنتعش، وتفكيك ممنهج لجيوش وطنية مثل الجيش العراقي، والسورى والليبى واليمني، والسوداني، أيضاً فإن مبدأ اللادولة بات يسيطر على المشهد السورى فى إطار لعبة المصالح وإعلام الدول الكثيرة المنتشرة فى الأراضى السورية، سواء العلم الأمريكي، الروسي، التركي، الإيراني، حتى إعلام ورايات الفصائل المسلحة، وهذا نتيجة الخطيئة الكارثية، لغياب الدولة الوطنية دولة القانون والمؤسسات التى لا تميز ولا تفرق بين أى مواطن على أساس طائفى أو دينى أو مذهبى أو أى شكل آخر، وهى جريمة نظام الأسد الذى فتح أبواب الشر على سوريا وتمكنت منها، وأجهزت عليه وباتت مجرد حطام وأطلال دولة، ربما تتحول إلى دويلات، تحمل أعلاماً لتحقيق مصالح «الكيان» والمخطط الصهيو ـ أمريكي، ومخططات كانت فى الأدراج جرى الإعداد لها وخلق ذرائع ومبررات وأجواء لتنفيذها، ولم يدرك النظام السورى أهمية التحرك سريعاً منذ سنوات أو ربما عقود لإغلاق وسد هذه الثغرات.
ضياع سوريا يزيد من أوجاع وآلام الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ويجعل العدو الصهيونى أكثر سعادة واختيالاً، والأمريكان يلعبون بشكل خبيث وخلف ستار.. ومن هنا أقول إنه لا خوف ولا قلق على الأمة التى استعدت مبكراً وامتلكت القوة والقدرة والردع، لا خوف على أمة شعبها على قلب رجل واحد، لا خوف على أمة لا توجد فيها طائفية، أو مذهبية، أو تفرقة، أو تمييز، أو ميليشيات وكيانات موازية، لا خوف على أمة استثمرت فى بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، فى دولة القانون والمؤسسات، لا خوف على أمة تسطر ملحمة بناء وتنمية، لا خوف على أمة لديها قائد وطنى عظيم وحكيم، وجيش وطنى شريف قوى وقادر هو من أبناء هذا الوطن.