و«التوازن» أساس النجاح
دبلوماسية «الشراكة الإستراتيجية»
الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى شئون الاخرين
هناك رسائل كثيرة تبعث بها تحركات الدبلوماسية الرئاسية، تعكس ما وصلت إليه العلاقات المصرية الدولية من قوة وتأثير وتكشف عن تعدد الأوراق والخيارات والبدائل المصرية، وتؤكد على تمسك مصر بمواقفها وثوابتها، دون تفريط أو تنازل، وتجسد إصرار وإرادة البحث عن المصالح المصرية حينما كانت، وأيضاً التأكيد على المبادئ وركائز العلاقات المصرية بدول العالم وقواه الكبرى فى الاحترام المتبادل، والندية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية وعدم المساس بالسيادة والقرار الوطنى وهى أمور بالنسبة لمصر ذات أهمية قصوى ولا تنجح أو تقبل أى علاقات أو شراكات دون التمسك بها، والمتابع لتحركات ولقاءات وزيارات الدبلوماسية الرئاسية فى هذا التوقيت عليه أن يوجه التحية لهذه الجهود والمبادئ الثابتة، والتى تكشف عن عظمة الشموخ المصري، فالقاهرة ليست تابعاً لأحد أياً كان، ولا يمكن إجبارها على قبول سياسة الإملاءات ولا تتنازل عن مبادئها وثوابتها، ولا تقبل بأى حال من الأحوال الإضرار بأمنها القومى أو التفريط فى حمايته ولا تتعامل إلا بوجه واحد، واضح مثل الشمس الساطعة، لا تتواري، ولا تخاف بل تعلن مواقفها بثقة وحسم ووضوح حتى وإن أغضبت قوى كبرى فى العالم، فمصر دولة عظيمة وكبيرة وشريفة، وهى قوة إقليمية عظمى تمسك بمفاتيح المنطقة والشرق والأوسط ولا يمكن تمرير أى مشاريع ترفضها بل هى الأكثر أخلاقية وتمسكاً بالشرعية والقانون الدولي، والقرارات الأممية، ولا يمكن أن تفرط فى سياستها ومساندة الحقوق المشروعة للآخرين، ودعم الحلول السياسية والتفاوضية سعياً لترسيخ الأمن والاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط بل فى العالم.
الرئيس عبدالفتاح السيسي، يحسب له وبجدارة، تبنى سياسات وإستراتيجية التوازن والحكمة والاتزان الإستراتيجى فى علاقات مصر مع دول العالم، فكما قلت إن القاهرة تحتفظ بعلاقات قوية ومصالح مع القوى الكبرى فى العالم، حتى وإن بدت ثمة صراعات وخلافات وحروب بين هذه القوي، وتكمن عبقرية الدبلوماسية الرئاســـية فى بناء علاقــــات قويــــة مع الجميع، دون النظر إلى حـــالة الصراع التى تــدور رحاهــا بين هـــذه القــــوى الدولية الكبـــرى من هنا ليـس غريبـــاً على «مصر ــ السيسي» أن تحتفظ بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ودوله المختلفة وفى ذات الوقت تجمعها علاقات إستراتيجية بالصين وروسيا والقوى الكبرى الأخري، لذلك مصر تفتح قلبها وعقلها وأبوابها لكل من يلتزم بمبادئها وثوابتها، ويحترم خصوصيتها، ويحقق مصالحها، ولا تبالى بتهديد أو وعيد أو إملاءات.. من يقرأ ما بين سطور نشاط الدبلوماسية الرئاسية المصرية، يجد زخماً وتفرداً رسائل ذات خصوصية شديدة فى تعدد علاقات مصر وقوتها مع دول العالم خاصة الدول الكبري، وهنا أفضل استخدام مصطلح دبلوماسية الشراكة الإستراتيجية، وباتت عنواناً قوياً يعكس نجاح وقوة علاقات مصر مع القوى الكبرى فى العالم، فرغم حالة الضباب والمد والجزر فى العلاقات المصرية ــ الأمريكية فى الفترة الأخيرة بسبب مواقف ومطالب ترفضها القاهرة لأنها تتعارض مع مصالحها وثوابتها ومواقفها، وأسس حماية أمنها القومى إلا أن أهمية هذه العلاقات لا غنى عنها للبلدين والجانب الأمريكى يدرك تماماً أهمية وثقل دور مصر وما بين القاهرة وواشنطن من مصالح وشراكة إستراتيجية على مدار عقود ولأن مصر حالة خاصة وشديدة الخصوصية وتتفق فى قدرتها وما لديها فإنها تتصدى لمحاولات أمريكية تحالف مبادئ هذه الشراكة الإستراتيجية، وليس خفياً الصراع والتنافس والحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، بطبيعة الحال هناك تناقضات وصراعات محتدمة بين هذه القوى الكبري، هنا تكمن عبقرية الدبلوماسية الرئاسية المصرية كونها تحتفظ بعلاقات قوية مع الجميع، بل تصل هذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية مع القوى الكبرى وهى موجودة مع واشنطن وموسكو، وبكين، والاتحاد الأوروبي، لذلك ليس غريباً أن تصل العلاقات المصرية ــ الفرنسية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية ولعل زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون جاءت حافلة بالرسائل القوية على كافة الأصعدة، فى مختلف المجالات والمواقف والرؤى ومستوى التنسيق حيال القضايا والملفات والأزمات الإقليمية والدولية وهو نفس الأمر مع إسبانيا، ويمكن أن نقول إن علاقة مصر بالاتحاد الأوروبى وما بينهما من مصالح إستراتيجية هى علاقات المصير الواحد، وحققت مصر أهدافها ومصالحها بنجاح من هذه الشراكة الإستراتيجية على كافة الأصعدة فى نموذج يحتذى به للتوازن والاتزان والاحترام المتبادل، ولا يخفى على أحد أيضاً عمق الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصين على كافة الأصعدة وفى مختلف المجالات وبينهما علاقات اقتصادية وتجارية وهناك زخم للاستثمارات ونقل التكنولوجيات والمصانع الصينية إلى مصر وتحديداً فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهناك توافق فى الرؤى والمواقف تجاه القضايا والملفات الإقليمية والدولية وأيضاً على الجانب العسكرى فمنذ أيام قليلة انتهت التدريبات الجوية المشتركة نسور الحضارات 2025 بين الجيشين المصرى والصيني، وحققت نجاحاً كبيراً لتجسد عمق الشراكة الإستراتيجية الشاملة وبالتالى نجحت الدبلوماسية الرئاسية المصرية فى تحقيق المصالح المصرية على كافة الأصعدة.
من اليونان إلى روسيا جاءت زيارتى الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أثينا وموسكو لتجسد عبقرية الدبلوماسية الرئاسية وأيضاً نجاحها فى ترسيخ دبلوماسية الشراكة الإستراتيجية فاليونان دولة أوروبية وعضو فى الاتحاد الأوروبي، وتجمعها بمصر علاقات تاريخية وممتدة ومواقف مضيئة بين البلدين وتم خلال زيارة الرئيس السيسى التوقيع على الإعلان المشترك حول الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتوسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والسياحة والتكنولوجيا وريادة الأعمال والطاقة والأمن والهجرة، إضافة إلى توافق فى الرؤى حول القضايا والملفات والأزمات الإقليمية والدولية وهو ما يحقق مصالح البلدين الصديقين، ورغم وجود خلاف أو حتى عداء أوروبى روسي، الآن علاقات مصر بأثينا وموسكو وصلت إلى حد الشراكة الإستراتيجية، فمنذ عام 2018 هناك شراكة إستراتيجية شاملة تجمع بين مصر وروسيا وهناك زخم كبير فى العلاقات الثنائية خاصة إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومحطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية وتعزيز التعاون فى مجالات الطاقة والأمن الغذائى والتعدين والزراعة والصناعة والتنسيق فى المحافل الدولية وتوافق الرؤى والمواقف السياسية.