تأخر عرض هذا الفيلم.. والتأخيرة هنا فيها أكثر من ألف خيرة.. فقد كان مقرراً أن يُعرض فى عيد الفطر الماضى.. لكن اختياره فى أيام الأعياد المسيحية خاصة «القيامة» مع شم النسيم وهو عيد مصرى للجميع.. وسبقه أحد السعف، له أكثر من معنى لمن يفهم ويعى، فقد كانت الضربة الجوية إلى عصابات داعش فى «درنة» الليبية رداً على ما فعلوه بإخوتنا الأحبة من الأقباط هناك بطريقة همجية، وكان رد فعل الرئيس السيسى وقتها «لن أترك حق هؤلاء» ولم يتوقع أحد أن يأتى هذا الرد سريعاً وحاسماً كما حدث، فقد استيقظنا على الخبر وقد رقصت قلوبنا جميعاً فرحاً وفخراً به، ونرى نسور مصر وقد حققوا الهدف وأثلجوا الصدور، وأدرك كل مصرى على أرضنا أن قواته المسلحة فى البر والبحر والجو لا تفرط فى اصبع من أصابع أصغر مواطن.
لذلك تحول استقبال فيلم «السرب» إلى حدث وطنى، كما جرى مع فيلم «الممر» وقبله مسلسل «الاختيار»، ثم «كلبش» فى الجزء الأول بصفة خاصة ثم باقى الأعمال التى رصدت عيون البلد الساهرة والله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم يقول: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، وقد ارتبط الطعام بالأمن، ولا يمكن للإنسان أن يشبع مهما كان طعامه وقلبه يرتجف من الخوف بلا حماية، فهل تذكر هؤلاء الذين يتكلمون عن الأكل والشرب وينسون كيف جرى تسليح جيشنا العظيم براً وبحراً وجواً، ولولا ذلك فى هذا الجو العاصف من حولنا ما غمض لنا جفن وأمامنا على الموائد ما لذ وطاب.
السرب
لا يمكن لمن يسعى لمشاهدة فيلم «السرب» أن ينسى واحدة من بطولات نسورنا البواسل فى معركة المنصورة فى أكتوبر 1973، عندما ظن العدو الغشيم أن سماء مصر يمكن أن تكون ملعباً «يبرطع» فيه مثلما يريد، وقد أراد أن يعتدى على مطارات المنصورة والصالحية وأخرى فى منطقة الدلتا وتدمير ما عليها من طائرات، ودفع الصهاينة بـ 120 طائرة، ولكن المصيدة التى خطط لها قادة الجيش نجحت فى إفساد الهجوم الاسرائيلى، رغم أن طائرات الفانتوم لها خصائص هجومية أكبر من طائرات الميراج التى يستخدمها رجالنا، لكن الإرادة والمهارة والشجاعة تفعل المستحيل.
وقعت أكبر معركة جوية فى التاريخ، حيث استمرت 53 دقيقة وهو زمن كبير لأن الطائرات محملة بالصواريخ وتحتاج إلى الوقود، فقد فتح أبطال الجو لطائرات العدو المجال وظنوا أن الطرق مفتوحة، فلما دخلوا خرج عليهم النسور وتلاعبوا بهم واصطادوا أكثر من 15 طائرة وتكفل الدفاع الجوى الرهيب بـ 29 أخرى، وكأنها معزوفة واحدة بآلات مختلفة وفقاً لنوتة موسيقية مكتوبة بمعلمة، يقودها مايسترو بارع، وكيف لا؟ وشعار قواتنا الجوية التى اتخذت من 14 أكتوبر عيداً لها ولنا، والفن هنا يتسابق لمنح الأوسمة والنياشين التى تدوم العمر كله، بأفلام ومسلسلات تمجد الأبطال وتقول لهم شكراً وهو أقل ما يجب وحتى تعرف الأجيال الجديدة كيف تنظر إلى جيش بلادها بكل الفخر والسمو والاعتزاز وأمامهم أفلام «عمالقة البحار، الطريق إلى إيلات، حرب الكرامة، الممر» وأنا أعلم علم اليقين أن هناك عشرات السيناريوهات لأفلام ومسلسلات ترصد بطولات الجيش بكافة أسلحته عند أصحابها تنتظر حتى تأخذ دورها فى سجل الشرف، والشئون المعنوية لديها الكثير وتساعد فى هذه الأعمال بكل ما تملك، ولعل «السرب» يكون خطوة نحو المزيد من هذه الأعمال.
أنا فرحان ليه؟!
عندما قرأت اسم المؤلف الشاب عمر عبدالحليم على أفيش الفيلم، وقفت أمامه طويلاً ولم أكن قد سمعت عنه قبل، فلما بحثت وفتشت وجدته شاباً اشترك فى العديد من الأعمال كممثل منها «الاختيار» حدوتة مرة ولمس أكتاف ومجرد تفكيره فى هذا الموضوع وصياغته فى سيناريو شىء يجب أن نقدم له التحية عليه وإلى كل من تحمسوا وأنتجوا وشاركوا فى العمل حتى قبل أن نراه، ونحن أمام عمل روائى لا يمنع أبداً من لقطات أرشيفية توثق للدراما وتقوى ظهرها، والواضح أن «عمر» من النوع الذى يسعى إلى تثقيف وتطوير تفكيره، وقد عرفت أنه درس فى روسيا وقدم فيلماً وثائقياً هناك وكان من الممكن والسهل وهو موجود فى الوسط الفنى أن يلعب فى المضمون والمعتاد والجماهيرى وعندما يأخذ هذا الاتجاه بجدية وهو فى بداية حياته، علينا أن نقول له أحسنت.. أما مخرج العمل أحمد نادر جلال، فهو سليل عائلة فنية خالصة من الأب «نادر» إلى الجد أحمد جلال والجدة مارى كوينى وله خبراته، وعندما يجتمع الحماس مع الخبرة مع أهمية القصة تحت يد منتج شاطر مثل تامر مرسى، لابد أن تكون النتيجة محترمة، ولو أن الكمال لله وحده، لكن الجهد المخلص من كافة صناع العمل وتسابق كل ممثل أو ممثلة أن يقف أو حتى يمر أمام الكاميرا، يعتبره وساماً على صدره وهذه حقيقة جعلتنى أقول أكثر من مرة للجميع لا بأس من أكل العيش فى أعمال يمكن أن تمر مرور الكرام، لكن ابحثوا لأنفسكم عن تاريخ يعيش بأعمال قد لا تأتى فى العمر إلا مرات معدودة أو مرة واحدة أو لا تأتى أبداً، خاصة إذا لم يكن هناك من السعى والبحث ما يكفى، وأجمل ما قال «عمر» فى حديث تليفزيونى عن «السرب» والقصة الحقيقية عمرها ٩ سنوات فقط وكيف خرج بهذه السرعة:
احنا بنحكى حكايتنا قبل أن يحكيها غيرنا من وجهة نظره، وغيرنا هذا دأب على الكذب والفجور وما حدث فى غزة ليس ببعيد، لأن الدواعش صناعة صهيونية- أمريكية، مهما قالوا بغير ذلك.