مثلما حقق المصريون نصراً عسكريا مجيداً فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر بإلحاق أكبر هزيمة بالعدو الإسرائيلى وعبور قناة السويس كان نصر موقعة طابا أيضا مجيداً وتاريخيا، لانه كان معركة حقيقية لكن فى ساحات القانون والتحكيم الدولى حيث اظهر فريق التحكيم المصرى عبقرية فى الدفاع عن الأرض المصرية وقدرة على مواجهة الأكاذيب والادعاءات الإسرائيلية.
معركة استرداد طابا، آخر جزء من سيناء، ورفع العلم المصرى عليها حكاية مصرية بطولية، أكدت أن مصر قادرة فى كل الساحات العسكرية والدبلوماسية والقانونية، ومثلما رضخ العدو عسكرياً أمام المقاتل المصرى فى 6 اكتوبر رضخ واستسلم الفريق الإسرائيلى أمام الفريق المصرى فى قاعة المحكمة فى جنيف لتصدر هيئة التحكيم قرارها التاريخى بأن طابا مصرية، لتبدأ صفحة جديدة فرضت فيها مصر السلام بإرادتها وقوتها بعد أن أبت الا تترك ذرة رمل واحدة من سيناء تحت سيطرة العدو.
استرداد طابا كان يوماً فارقاً فى الطريق إلى السلام الدائم والاستقرار بالمنطقة، وبعد 36عاماً يتذكر كل المصريين هذا اليوم التاريخى بكل فخر، وفى الوقت نفسه يرون كيف اصبحت سيناء الآن، من أرض كانت محتلة إلى أرض يملؤها العمران وتسودها التنمية وتتوالى فيها مشروعات البناء العظيم.
عودة طابا كانت بمثابة استكمال الهدف لاستعادة الارض كاملة وكان المفترض ان تفتح باب التنمية الشاملة فى سيناء لكن للأسف لم يحدث هذا وظلت لسنوات طويلة مهملة مهمشة بعيدة عن خطط التنمية مما جعلها مطمعا للإرهابيين والخارجين عن القانون بل وللمخططات الإسرائيلية التى اتضحت تماما بعد طوفان الأقصى وإعلان تل أبيب عن مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ولم يكن هذا هو كل المستهدف بل الخطوة الاولى من مخطط أكبر وهو العودة مرة أخرى لسيناء تحقيقا لحلم إسرائيل الكبري.
لكن الموقف المصرى الحاسم والتصدى القاطع أفسد المخطط، وكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فسيناء التى ضحى من أجلها أبطال مصر خط أحمر وغير مسموح الاقتراب منها.
ولأن الرئيس السيسى يدرك قيمة وأهمية سيناء إستراتيجيا فقد كانت منذ تولى المسئولية جزءا مهما من رؤيته لإعادة بناء الدولة المصرية، ولذلك كان القرار من الرئيس السيسى تنمية شاملة وكاملة لكل شبر من أرض سيناء، لتصبح منطقة عمران وتنمية.
بأعتبارها أمن قومى أطلق فى عام 2014، المشروع القومى المتكامل لتنمية سيناء.
وركزت الرؤية على تغيير سيناء بالكامل، من خلال الاهتمام بالأمن وتطهيرها من الإرهاب، حيث قامت القوات المسلحة والشرطة بدور بطولى فى تطهيرها من الإرهابيين.
وفى الوقت نفسه اهتمام الدولة بالبنية التحتية، عن طريق عمل شبكة طرق وجسور وأنفاق تربط سيناء بالوادى والدلتا، حيث أصبحت سيناء لأول مرة، جزءا فعليا من التنمية فى مصر.
الارقام تؤكد ان الدولة انفقت خلال السنوات العشر الماضية نحو 1.2 تريليون جنيه على التنمية فى سيناء من خلال مشروعات تنموية وبنية أساسية.
منها أكثر من 700 مليار فى المرحلة الأولى والتى تضمنت إقامة العديد من المدن الجديدة و5أنفاق لربط سيناء بالوادي وهذا بالطبع بجانب المشروع العملاق .. قناة السويس الجديدة .
ومنذ شهور أعلنت الحكومة عن بدء المرحلة الثانية من مشروع التنمية بتكلفة مبدئية تجاوزت 350 مليار جنيه لتحقيق التنمية المستدامة التى لم تترك قطاعا، سواء الزراعة أو الطرق أو الصناعة والسياحة والاستثمار أو التعليم والصحة، فمشروعات التنمية غيرت وجه سيناء بالكامل، وجعلتها مؤهلة لاستيعاب أكبر قدر من الهجرة الداخلية.
فالتنمية فى سيناء اعتمدت على تنوع الأنشطة، وبناء مشروعات بنية أساسية عملاقة تبدأ من أنفاق قناة السويس امتدادا إلى الطرق والمحاور التى تمتد إلى شمال ووسط وجنوب سيناء بالإضافة إلى التطوير الكبير للشريط الساحلى والموانئ وخلق تنمية زراعية عملاقة يتم تنفيذها خلال الفترة الحالية والمقبلة.
بالتأكيد لم تكن هذه التنمية ممكنة وبهذا القدر إلا بعد ان نجحت الدولة فى القضاء على الارهاب بعد معركة امتدت لسنوات بذل فيها رجال الجيش والشرطة الغالى والنفيس وقدموا تضحيات ضخمة حيث نال الشهادة أكثر من 3 آلاف بطل واصيب نحو 12 ألفا آخرين، لكن الدولة أصرت على تطهير سيناء من دنس الإرهاب لتبدأ مرحلة التنمية.
وكان لأبناء سيناء دور وطنى كبير فى الحرب على الإرهاب وهو ما مهد الطريق لاستكمال مسيرة التنمية التى تتجسد الآن فى لوحة عبقرية لتلك البقعة المباركة يترجم الإرادة المصرية وتضم مشروعات تنموية ومصانع وأراضى زراعية تتسع مساحتها يوما بعد الآخر فى ظل أمن يسيطر على كل أرجائها، بفضل جهود وتفانى أبناء الجيش والشرطة المرابطين على الحدود خاصة مع التحديات الأخيرة فى غزة ليعلنوا ان مصر وأرضها خط أحمر وسيناء محرمة على غير المصريين.
هذا المشهد التنموى الآمن يؤكده أبناء سيناء الذين يرون ما تشهده أرض الفيروز غير مسبوق ويعوضهم عن عقود من التهميش الذى حولها إلى مطمع، لكن الدولة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى آثرت إلا ان تكون سيناء أرض عمران لأهل مصر لتعوض أهلها خيرا.
دكتور مفيد شهاب يتذكر اليوم التاريخى:
شعب مصر «يقظ» وجيشه مستعد لكافة الاحتمالات
أرغمنا إسرائيل على التحكيم.. ولم أنم ليلة الحكم

حوار:
معتز الحديدى وسلوى عزب
الدكتور مفيد شهاب استاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة وعضو اللجنة القومية للتحكيم واستعادة طابا، يفتح دولاب اسراره لـ «الجمهورية» ويكشف عن أسرار رفض اسرائيل الاتجاه للتحكيم والتمسك بالتفاوض والتوفيق من أجل المماطلة، واعتذاره عن عدم السفر الى اسرائيل ويتذكر كيف أرغمت مصر اسرائيل على الاتجاه إلى التحكيم ودور الجيش المصرى فى حفظ التوازن فى المنطقة وحركة التنمية التى تشهدها جنوب سيناء.
> تشهد المنطقة العديد من الأحداث فما رأيك؟
جيش مصر وشعب مصر دائما «يقظ» وان كان يعيش فى حالة استقرار وسلام، ولكن المنطقة قابلة لتهديدات جزئية أو كلية، بسيطة أو عنيفة، وعلينا ان نكون مستعدين لكل الاحتمالات.
و الشعب المصرى لديه الاستعداد النفسى لتحمل كافة الظروف والجيش المصرى قد تم اعداده وتسليحه على أعلى مستوي، مما يجعل الهدوء فى المنطقة كاشفا لتطوير الجيش المصرى لنفسه، مع تدريبات مستمرة واسلحة حديثة.
> ماذا عن التوتر الذى تشهده المنطقة؟
التوتر الذى تشهده المنطقة جعلها من أكثر مناطق العالم التهابا ومهددة بعدم الاستقرار خصوصا فى ظل الممارسات الوحشية المتعمدة التى تقوم بها اسرائيل فى غزة ولبنان وسوريا. ولكن المهم أن الجيش المصرى مستعد لما يحدث ولكافة الاحتمالات، والمساس بالأرض «خط أحمر» تلك الأرض التى تم استردادها عن طريق الحرب والسلام والتفاوض والتحكيم الدولي.
> هذا يجعلنا نعود إلى أيام التحكيم بخصوص طابا رغم إبرام اتفاقية السلام آنذاك إلا انه كعادة اسرائيل بدأت فى التراجع عن بعض بنود الاتفاق.. فكيف تم تشكيل اللجنة المصرية القومية لاستعادة طابا؟
شكلت اللجنة بقرار من وزارة الخارجية المصرية والتى كان يترأسها الدكتور عصمت عبد المجيد، وضمت العديد من القامات المصرية القانونية والدبلوماسية، وتم توثيق هذه التشكيل داخل «الكتاب الابيض» فى وزارة الخارجية الخاص بكافة القرارات التاريخية.
> كيف تم البدء فى المفاوضات لاستعادة طابا في1982؟
كان من المفترض فى 25 ابريل عام 1982، اتمام استلام كامل الأرض المصرية والمواقع فى جنوب سيناء حسب اتفاقية السلام، إلا ان اسرائيل رفضت الانسحاب من 14 موقعاً، ومن هذه المواقع العلامة 91 الخاصة بطابا , واعلن الرئيس الراحل حسنى مبارك انسحاب إسرائيل من غالبية الاراضى المصرية باستثناء بعض المواقع، واكد استمرار المفاوضات وعدم التنازل عن اى شبر من ارض مصر، وتشكيل لجنة تفاوضية لالزام اسرائيل بإتمام الانسحاب الكامل كما نصت عليه اتفاقية السلام.
> ما هى أهم الموقع التى شهدت تمسك اسرائيل بعد الانسحاب منها؟
موقعان مهمان، العلامة 91 «طابا» والعلامات 85-86-87-88 والخاصة بالنقب، وبالرغم من ان باقى المواقع كانت صحراوية ومناطق جبلية لاحياة فيها، الا ان مصر تمسكت باستعادة كافة المواقع لأنها أرض مصرية ولن نفرط فيها ، ووجدت اللجنة ان العلامات على الخريطة مغايرة للعلامات على الارض.
> متى بدأت اعمال اللجنة من اجل استعادة كامل الارض؟
فى منتصف عام 1982، بدأت الاجتماعات، بعدما ضمت قامات قانونية وتاريخية وجغرافية وطبوغرافية، واستمرت فى تلك الفترة وحتى عام 1986 بالتفاوض، واسرائيل تدعى ان المواقع صحيحة ولديها كافة المستندات، ودخلت وزارة الخارجية فى معركة دبلوماسية مستعينة بعدد من الخبراء وكنت أحدهم، واستمرت الاجتماعات بصفة شهرية بالتناوب بين البلدين، وكان هدف اسرائيل من التفاوض هو تسويف الموقف وزيادة فترة عدم تسليم الأرض ولكننا كنا مدركين لذلك ولم نمنحهم الفرصة .
> متى انتهت المفاوضات بين الجانبين؟
عام 1986، وبعد مرور أربع سنوات من التفاوض دون التوصل إلى اتفاق، وكان واضحا ان اسرائيل لا تريد ان نصل إلى نتيجة او اتفاقية، فحدث خلاف بين الطرفين، وكان لا بد من ان نبدأ المرحلة التالية التوفيق أو التحكيم طبقا لبنود اتفاقية السلام.
> كيف بدأت عملية التحكيم؟
المادة 7 لاتفاقية السلام تحدثت عن اللجوء للتوفيق او التحكيم فى حالة الخلاف حول تفسير أحد بنود الاتفاقية، وتمسكت مصر بالتحكيم وكان خيار مصر الاول والاخير.. نحن نريد تطبيق القانون وليس تطبيق معادلات سياسية، وبالفعل رضخت إسرائيل الى رأى الجانب المصرى وبدأت المفاوضات لتحديد طريقة التحكيم ومكانها من خلال لقاءات شهرية بين القاهرة وتل أبيب، ولقد حرصت على المشاركة فى كافة اللقاءات المصرية واعتذرت عن عدم الذهاب الى اسرائيل.
> هل سارت المفاوضات لتحديد هيئة التحكيم بسهولة؟
شهدت العديد من المناوشات والعراقيل الاسرائيلية، وكان اكبرها ما حدث فى احدى جلسات فندق مينا هاوس عندما أعلن الجانب الإسرائيلى عدم الموافقة على الاقتراحات المصرية والمغادرة فى الصباح الى اسرائيل، ولكننا لم نستجب له وفوجئنا بأن الوفد عدل من موقفه وأعلن موافقته على التحكيم.
> ما سر تغير الموقف الاسرائيلي؟
عندما اعلن الوفد الاسرائيلى بالمغادرة تم ابلاغ الرئيس مبارك، والذى كان قد حدد موعداً لاستقبال شيمون بيريز فى قصر رأس التين بالاسكندرية، وكان بيريز مرشحا فى الانتخابات الاسرائيلية، ابلغت الخارجية المصرية الجانب الاسرائيلى تعليق الزيارة، وعلى الفور تغير الموقف الاسرائيلى وقبوله التحكيم والجلوس للاتفاق على اتفاقية مشارطة التحكيم.
> ماهى آلية مراحل التحكيم؟
تم الاتفاق على حل النزاع حول الـ 14 علامة، وتشكيل هيئة المحكمة من خمسة أفراد منهم ممثل مصر وممثل اسرائيل وثلاثة محايدون بعد اعتراضات كثيرة من اسرائيل على الاكتفاء بمحايد واحد ، ومثَّل مصر الدكتور حامد سلطان استاذ القانون وعن اسرائيل روث لابيدوت استاذة القانون الدولي، والثلاثة الاخرون هم بيليه رئيس مكمة النقض الفرنسية السابق، وشندلر استاذ القانون الدولى بسويسرا ولاجرجرين رئيس محكمة ستوكهولم، وتم اختيار القانونى السويسرى رئيسا للمحكمة، وفى 11 سبتمبر وقعنا اتفاقية التحكيم من احدى عشرة مادة.
> لماذا رفضت اسرائيل الذهاب إلى محكمة العدل الدولية؟
ذكرت اسرائيل أن محكمة العدل الدولية تابعة للامم المتحدة، وهى تدعم حق الشعب الفلسطيني، ولذا اختارت التحكيم الثنائي، واستمرت جلسات المحكمة منذ نهاية عام 1986 وحتى صدور الحكم 19 سبتمبر عام 1988،
> على ماذا استندت مصر فى تلك الدعوي؟
قدمت مجموعة خرائط متنوعة اصلية حصلت عليها من تركيا وباكستان وانجلترا والولايات المتحدة بداية من الامبراطورية العثمانية وحتى عام 1948، بخلاف شهادة الشهود , وعلى رأسهم الفريق كمال حسن على رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وبعض افراد قوات الامم المتحدة واسماعيل شيرين وزير حربية الملك فاروق والذى قدم شهادته والعديد من الخرائط والمستندات.
> كيف كانت خطة فريق الدفاع المصري؟
قسمنا القضية الى اجزاء وكان الجزء الخاص بى السلوك اللاحق للدولة كدليل على ممارسة السيادة واثبت ان مصر فتحت العديد من المدارس والمستشقيات ووجود وسائل مواصلات مصرية فى هذه المناطق، وتعد هذه المرافعة نقطة مضيئة بيضاء فى مسار حياتي، ولقد راجعت هذه المرافعة اكثر من مرة واستشرت العديد من الزملاء القانونيين وعرضتها على الصديق الدكتور يوسف ابوالحجاج استاذ الجغرافيا بجامعة عين شمس .
> ما الذى حدث قى ليلة صدور الحكم ؟
كان هناك قلق شديد وتناقض فى المشاعر، اطمئنان للاوراق المقدمة وشهادة الشهود والمرافعات.. وموقفنا يفوق الموقف الاسرائيلي، لكنى لم انم طوال الليل واذكر ان الرئيس مبارك فى هذه الليلة كان قلق للغاية، واتصل بنا تلفونيا اكثر من مرة.
> كيف صدر الحكم؟
اصدرت المحكمة حكمها باحقية مصر فى عشر مواقع من الـ 14 موقعاً وهى المواقع المهمة والتى تضم طابا والنقب , والاربعة الاخرون مواقع صغيرة وليست مهمة، وصدرت غالبية الأحكام باتفاق الخمسة محكمين .
> كيف ترى طابا الأمس واليوم ؟
زرت طابا أثناء المفاوضات مع الوفد المصرى وكانت ارضاً قاحلة وبها عدة مخيمات للجيش وبقايا مدارس، ثم زرتها عندما تم رفع العلم المصرى وكلى فخر بازالة العلم الاسرائيلي، وقد بدأت الحياة تدب فيها بانشاء بعض الفنادق والمدارس والمستشفيات. وقد تلقيت العديد من الدعوات اللاحقة لالقاء محاضرات فى جنوب سيناء، فشاهدت التنمية و الزراعات المنتشرة والخدمات والعشرات من المدارس والمستشفيات وحركة سياحية كبرى وتنموية متعددة.