مازلت أقول إن هذه الأيام مليئة وعامرة وزاخرة بالدروس والعبر والنتائج الإستراتيجية، لتفتح آفاقاً جديدة فى إعادة التفكير، ومراجعة النفس، وترتيب الأوراق، وتقييم حقيقى لما يجرى فى بعض دول المنطقة.
نحن فى مفترق طرق، ومخاض جديد تمر به المنطقة لنعيد الحديث عن أسباب ما جرى فى لبنان، وغزة، والسودان، وقبلها فى دول أخري، والسؤال الذى نطرحه فى هذه السطور فى ظنى أنه الأهم، لأنه سؤال وجودي، يتعلق بوجود، وحاضر ومستقبل الأوطان، ولعل شعوب وساسة والقوى السياسية والحزبية تكون قد استوعبت أسباب ما جرى وما حدث، والسؤال هو: من أين تأتى الاستباحة؟ وأسبابها وكيف تمكن العدو، وقوى الشر، من زرع وترسيخ أسباب ما جرى من انهيار، وكيف كانت ومازالت الرؤية المصرية التى وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسى وطبَّقها فى مصر القوية القادرة الحكيمة، الصابرة والواثقة، وكيف دعا ونصح دول الأمة بتطبيقها، حفاظاً على بقاء ووجود وأمن واستقرار ووحدة وسلامة أراضى الأوطان والحيلولة دون انتهاك سيادتها واستباحتها، لعلنا نتذكر أقوال وعبارات تاريخية للرئيس السيسى «خلوا بالكم من أوطانكم» وأيضا لا سبيل أمام الأوطان إلا بالتمسك ببناء وقوة الدولة الوطنية ومؤسساتها وأن ذلك هو الاستثمار الوجودي، ولعلنى أجدنى مطالباً بدعوات مصر فى خطابها الرسمى لدول الأزمات بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية، وبناء مؤسساتها خاصة الجيش الوطني، ثم أهمية الاصطفاف، وإعلاء المصلحة الوطنية، وأيضا قيمة الحوار والتفاوض والتسوية السلمية، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الوطنية، ونبذ الانقسام، والانشقاقات، وحل الخلافات من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات، كل ذلك يعكس رؤية الرئيس السيسى المبكرة والاستباقية، بأهمية وجود الدولة الوطنية القوية، وأيضا قيمة الاصطفاف الوطني.
ما جرى فى الأراضى الفلسطينية، قطاع غزة والضفة، وأيضا لبنان من عدوان إسرائيلي، ودول الأزمات الأخرى كفيل بأن يمنحنا الدروس، ويؤكد حقيقة مهمة أن سر القوة والحفاظ على الوطن، هو قوة وقدرة الدولة الوطنية ومؤسساتها وكلما زادت درجة القوة، زادت الثقة والاطمئنان على أمن واستقرار ووجود الوطن، وزادت درجة التماسك والاصطفاف والتوافق، والوعي، فى الجبهة الداخلية، أو المجتمع، ولعل قول الرئيس السيسي، المأثور، لا نخاف من أى تهديد خارجي، المهم أن نكون كمصريين على قلب رجل واحد، والسؤال، من أين تأتى استباحة الدول وانتهاك سيادتها، والتجرؤ على مهاجمتها وتدميرها وإلحاق الأضرار والخسائر الفادحة فيها، أو الدخول فى أراضيها، الحقيقة أن الأسباب كثيرة، نذكرها فى عدة نقاط مهمة:
أولاً: غياب الاستثمار، والحفاظ على الدولة الوطنية وقوتها، وقوة مؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش الوطني، الذيى يحمى ويصون ويدافع عن وجود سيادة وأمن الوطن، ولعلنى أجد من المهم الاستشهاد برؤية الرئيس السيسي، واستشرافه المبكر للمستقبل، والتحديات والتهديدات القادمة قبل 11 عاماً، وكيف تحمى وطناً تطارده الأطماع والعدائيات والتهديدات، خاصة أن الرئيس السيسى عقب نجاح ثورة 2013 قرر ألا يتكرر ما حدث لمصر قبل ذلك حيث كانت البلاد على وشك السقوط بعد فوضى يناير 2011 ثم وصول الإخوان المجرمين إلى الحكم، الرئيس السيسى أدرك مبكراً أهمية بناء وقوة الدولة الوطنية، لذلك قاد أكبر عملية إصلاح فى تاريخ مصر فى كافة القطاعات والمجالات، وفى جميع مؤسسات الدولة، ورؤية كاملة وشاملة للتطوير، تلبى احتياجات الحاضر والمستقبل، ومواكبة العصر، وتتسق مع حجم التحديات والتهديدات، فى إطار بناء الدولة الحديثة، وجاء قرار تطوير وتحديث الجيش المصرى الحديث وتزويده بأحدث منظومات التسليح بتطبيق شامل ووطنى فريد، لسياسة وإستراتيجية تنويع مصادر السلاح إضافة إلى مقاتل من نوع فريد، يتمتع بعقيدة وطنية شريفة، النصر أو الشهادة، وفى أعلى درجات الكفاءة والجاهزية واستعداد دائم للتضحية والفداء، وشجاعة فى تنفيذ كافة المهام.
أدرك أن هذا الوطن مستهدف، هو اللبنة الأولى والقاعدة الأساسية، التى أسس عليها بناء الدولة الوطنية الحديثة القوية القادرة، التى تتمتع عن قناعة مهمة أن القوة تمنع العدوان وتردع كل من يفكر فى المساس بأمننا القومي، ومقدرات هذا الشعب، أو يفكر فى انتهاك مؤسسته السيادية، لذلك فمن يملك جيشاً وطنياً قوياً يملك أمناً واستقراراً وقدرة بالغة على حماية وجود وبقاء الدولة، وأمنها القومى ومقدراتها الوجودية، والجيش المصرى أقوى جيوش المنطقة، وأحد أقوى جيوش العالم لما يتمتع به من جاهزية واحترافية وقدرات وخبرات متراكمة، ورؤية عميقة وشاملة لحماية الحدود والأرض والأمن القومي.
ثانياً: ما يزيد من قوة وقدرة الدولة الوطنية ومؤسساتها، قوة الحكمة والتوازن والسياسات الخارجية والدولية، والقدرة على الإدارة الرشيدة والعاملة لهذه القوة لا تعرف الاندفاع أو التهور أو المغامرات والحقيقة أن مصر لديها قيادة تعمل وفق إدارة حكيمة، تعظم من أهمية التقديرات والحسابات الدقيقة التى تضمن الحفاظ على الدولة وأمنها القومى وقدراتها، ولعل المصطلحات التى نسمعها من الدولة الوطنية المصرية سواء الاتزان أو الصبر الإستراتيجى أو الحكمة، والتى ترتكز على القوة والقدرة الفائقة المستندة على الرشد، هى الضمان الحقيقي، لخفض معدلات العدائيات والاحتفاظ بعلاقات دولية فى الإقليم والعالم، تؤسس للحلول السلمية، والتفاوض وتؤكد على الدور والثقل المصرى إقليمياً ودولياً حتى بات العالم يعوِّل على مصر كشريك أساسى وفاعل ومؤثر فى الحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط.
ثالثاً: الاستثمار فى بناء الدولة الوطنية القوية ومؤسساتها القادرة، يرتكز على عدم وجود كيانات موازية، ولا مجال لوجود ميليشيات أو جماعات مسلحة موازية أو مناوئة للدولة الوطنية، فالسلاح لا يوجد سوى لدى الجيش المؤسسة العسكرية المنوطة لحماية الوطن والدفاع عنه وكذلك الشرطة والمؤسسات الأمنية التى تحمى الجبهة الداخلية، لذلك فإنه لا مجال لوجود هذه الميليشيات أو الجماعات المسلحة، وأيضا فإن مصر لا تتفاوض مع جماعات أو ميليشيات ولكن مع الدول الوطنية فقط.
رابعاً: الاصطفاف الوطني، والتماسك المجتمعى وأن يكون الشعب على قلب رجل واحد، فلا مجال لمذهبية أو طائفية أو محاصاصات، الدولة الوطنية ومؤسساتها فحسب، فى ظل دولة القانون والمؤسسات التى توفر وتضمن العدالة والمساواة لجميع أطياف وفئات الشعب، وكذلك الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح لكافة فئات الشعب، والإلمام بما يدور ويحاك وما يواجه الوطن من تحديات وتهديدات ومخاطر، وأسباب الأزمات، وهو ما يعزز اللُحمة الوطنية، ويفتح آفاقاً للحوار والتواصل مع الشعب، وهو ما تفعله الدولة المصرية لذلك تقف الدولة المصرية على أرض شديدة الصلابة، كدولة وطنية فريدة وقوية وقادرة لديها مؤسسات فاعلة، يأتى على رأسها المؤسسة العسكرية المصرية بكل شموخها وشرفها الوطني، وقوتها وقدرتها، وأمجادها، ومواكبتها للعصر، وقدرتها بكفاءة وجاهزية للحفاظ على مصر وأمنها القومى ومقدراتها الوجودية وردع أى عدوان وكل من يفكر فى المساس بها، وكذلك قوة الوعى والاصطفاف المصري، وحكمة ووعى وعبقرية القيادة السياسية، لذلك فإن هذه القيادة تستحق التحية والتقدير على بناء الدولة الوطنية القادرة ومؤسساتها.
الحقيقة أن ما يجرى فى بعض الدول الشقيقة من أحداث مأساوية، جاء بسبب الاختلافات والانقسامات، وفشل محاولات لم الشمل التى سعت مصر إلى إقناع الجميع بها، بالإضافة إلى حالة التشرذم، وغياب اللُحمة والإرادة السياسية على أهمية بناء الدولة الوطنية القوية والمتماسكة وبناء مؤسساتها، وكذلك وجود الطائفية والمذهبية وكيانات موازية، بل سابقة للدولة الوطنية وهو ما جعل وسهَّل حدوث هذه الاستباحة والخسائر الفادحة وأعتقد أنه آن الأوان لإدراك أهمية الاصطفاف والوحدة، وإعلاء شأن الوطن، والشروع فى بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، فيكفى ما حدث من كوارث ومآس دامية فى المنطقة استنزفت قوة الدولة الوطنية واضعفتها فباتت فى حالة انكشاف واستباحة.