12 عامًا مرت على ذكرى ثورة 30 يونيو 2013.. جيل جديد من الشباب الآن كان عمره فى هذا الوقت عشر سنوات فأقل ربما لا يتذكر ولا يعى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا تلك الحالة الهشة التى كانت عليها مصر بعد أحداث ما أطلق عليه ثورة يناير 2011 والتى كان قوامها الفوضى و«السيولة المجتمعية» ــ إذا صح التعبير ــ وغياب الدولة التى أخذت وقتًا طويلاً حتى تعود فى عهد الرئيس السيسى الذى استدعاه الشعب من بنيان القوات المسلحة الصلبة.. الملاذ الأخير الذى حمى مصر من مؤامرة السقوط وتغيير الهوية والإنجراف بها نحو مغامرات سياسية وإقليمية لو كانت تمت لكان مصير مصر والمصريين الآن كمصير دول عديدة مجاورة لنا دخلت فى غياهب المجهول، ولا يعلم أحد إلا الله متى تعود؟!
من واجب الأجيال الأكبر سنًا التى عايشت تلك السيولة المجتمعية وأجواء الفوضى والإرهاب ومحاولة اختراق مؤسسات الدولة الوطنية أن تروى لتلك الأجيال الجديدة تلك الحالة التى كانت عليها مصر حتى لا يقعوا فريسة لمحاولات المتآمرين تزييف الحقيقة وتغييب الوعى بالأكاذيب والضلالات.. واستغلال بعض الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر كسائر كثير من شعوب دول العالم لكى يعيدوا الكرَّة مرة أخرى ولكى يخرج البعض عن الاجماع الوطنى خلف القيادة السياسية المخلصة التى لن ينسوا لها انحيازها للشعب لكى تعود مصر القوية العفية إلى مكانتها المستحقة فى منطقتها وعالمها العربى والإسلامى واستعادة دورها على الساحة الدولية الذى لا يمكن لأحد غيرها أن يعتليه لأسباب يطول شرحها.
>>>
من أوراق 30 يونيو التى بدأت مع بداية عام 2013 أستحضر بعض كلمات مقال لى على هذه الصفحة بعنوان: «الثورة المسكينة.. والدولة المستكينة» وفيه أقول: مسكينة ثورة يناير قيل فيما قيل من مزاياها وعظائم شأنها أنها كانت ثورة شعبية بلا قائد يقودها أو زعيم يوجهها أو أب يؤسسها ويحرسها.
ولكن يبدو أن هذا لم يكن فى مصلحتها ومصلحة شعبها لأن عامين من عمرها مضيا ومازالت هذه الثورة الوليدة تعانى صعوبة العيش وقسوة ومرارة حياة الطفولة المشردة ومعها وبسبب تراجع دورها مازال شعب مصر الطيب الصبور المثابر ينتظر الأمل من الله أن ينفخ فى روحها».
قلت وقتها: معذرة لم أكن أود أن تكون هذه الكلمات الصادقة هى تعبيرى عن حــالة الثورة فى الذكرى الثانــية لقيــامها ــ ولا أقول ــ عيدها لأن ما تجنيه مصر الآن من فوضى وانقسام وصراع هو الحصار الذى كان منتظرًا.. ولا كان الشعب الذى خرج يساند شبابها يتخيل كل هذه التداعيات الخطيرة فى هيبة الدولة ومؤسساتها وفى الانهيار غير المسبوق فى البنية التحتية وفى مقدمتها السكك الحديدية وقطاراتها ولا كان الناس يتصورون ان حصاد الثورة سيكون هو الخراب فى الاقتصاد ولا فقدان الأمن والتسيب الذى جرى الآن فى الشارع المصرى وفى المصالح والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ولا احتلال الباعة الجائلين لكل الشوارع والميادين والأرصفة ناهيك عن الانفلات الأخلاقى الحادث فى المجتمع وهروب السياحة والاستثمار آنذاك.
كثير من الناس قالوا: إن مصر تحتاج إلى معجزة من السماء لكى تعود مصر الدولة القوية فى محيطها العربى والدولى والإقليمى يملك شعبها الإرادة والقدرة على العمل والانتاج وينأى بنفســه عن العبــث والتفكــك والصـــراع والانقســام بيد القوى السياسية التى انقلبت على بعضها البعض تبحث عن المصالح والمكاسب والتهام كعكة السلطة وكأنهم سعداء لغياب الدولة وثباتها ورسوخها وحتى يظل شعبنًا طويلاً معتمدًا على شعوب دول أخرى يقدمون له المنح والعطايا! ولكى نمضى فى مسيرة تغييب العقل والوعى ما بين احتفالات ومليونيات وفضائيات وجدليات تمضى فى غيها لتكون النتائج مدمرة بدماء وضحايا وثكلى بل وشهداء وتعويضات هى فى النهاية خصم من قدرة الدولة ومواردها الضعيفة المحدودة وانعدام قدرتها على توفير احتياجات شعبها أو تحسين الخدمات وإنشاء الطرق والمرافق وعلاج المرضى وتوفير الرعاية للمواطنين إسكانًا وتعليمًا وتشغيلاً وغير ذلك من احتياجات لا غنى عنها لأى شعب ينشد الحياة الكريمة كغيره من شعوب العالم المتحضر.. كان هذا هو الوضع قبل ثورة 30 يونيو 2013 والتى أعادت لمصر الحياة ولشعبها الأمل.
ثورة أعادت للدولة قوتها ونفوذها ومكانتها وأعادت للمواطن كرامته.. وللحديث بقية.