ومازالت أنوار السيرة المحمدية تضيء وعطرها يملأ الآفاق.. وبرغم الحوار الدائر حول شرعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف.. بل وما يقال عن أن يوم 12 ربيع الأول هو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم وليس يوم مولده الشريف فإن النور المحمدى مازال وسيظل دومًا يضيء لنا الطريق وصدق الله الذى قال فى كتابه الكريم «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا»، حيث يطالب الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان بالاقتداء برسولنا الكريم فى كل حال.. وفى كل نص وقول.. بل إن الله يأمر المسلمين مجددًا فى قوله سبحانه وتعالى «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب»، وقوله سبحانه وتعالى «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.. وذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما» بل إن القدوة الحسنة ليس لها موعد أو تاريخ أما الحديث عن بدعة الاحتفال بالمولد النبوى فقد كانت هناك ردود قوية وأهمها أن رسولنا الكريم لم يمنع الاحتفال وإذا كان الاحتفال بالمولد النبوى فى اتباع ما فعله وقاله النبى عليه الصلاة والسلام فإنه سنة حسنة مثلما فعل عمر بن الخطاب مع المسلمين فى رمضان وجمعهم على إمام واحد فى صلاة التراويح.. ولم يفعل النبى ذلك فى حياته لكنه لم ينه المسلمين عن فعله فكانت سنة حسنة ومثلها مثل الاحتفال بميلاد الحبيب المصطفى أو حتى الاحتفاء بيوم وفاته وكل يوم عاشه وكل سنة سنها وكل أمر أمر به وكل فعل فعله.. إنه القدوة الحسنة وكما قال سبحانه وتعالى «فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون» فالسعادة الحقيقية فى اتباع الرسول وأوامر الله ونواهيه وسنة حبيبه المصطفي..
ولعلنا فى هذه الأيام والظروف الصعبة التى نعيشها نكون فى أمس الحاجة لاتباعه لعلنا نخرج مما نحن فيه فالحبيب المصطفى هو القدوة والمثل البشرى الكامل كما وصفه القرآن «وإنك لعلى خلق عظيم».. وكما ذكرت لنا مواقفه العظيمة فى شتى المجالات وكافة الأحوال فإنه القدوة التى عندما غابت خسرنا.. وعندما ابتعدنا عنها فقدنا الكثير.
نحن فى أمس الحاجة للاقتداء بالنبى الكريم فى أفعاله وأقواله بل وفى كل مجالات الحياة.. ولعل من أبرز عناوين السنة المحمدية والأنوار النبوية التى يجب أن نقتدى بها هى مكارم الأخلاق.. ولعل من أبرز هذه المكارم التى نحن أحوج ما نكون إليها هى العفو والصفح والمغفرة لمن أخطأ فى حقنا لنبنى معًا المجتمع الصالح.. وكما قال سبحانه وتعالى «ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور»، وقال سبحانه وتعالى عن أهل الإيمان وأصحاب الحبيب وأتباعه «وإذا غضبوا هم يغفرون» وكذلك قوله «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين».. ولا يعنى العفو أن يكون عنوانك فى العفو للجميع فهناك من يستغل العفو وحسن الخلق لذلك خصهم الله بقوله «والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون».
ومن يقرأ ويتابع سيرته الشريفة وسنته لوجد أن الغفران والسماحة واليسر من أهم صفات الإسلام الحق وكما قال عليه الصلاة والسلام: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة..» وقد كان عليه الصلاة والسلام رحيمًا كما وصفه الله «رحمة للعالمين» ولم يكن رحيمًا بالمؤمنين فقط ولا بالبشر وحدهم بل إنه صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين بالرفق بالحيوان وطالب المسلمين بإعطاء الإبل حقها عند السفر.. بل رحم الطير والحيوان والحمار فما بالك برحمة الإنسان سواء كان مؤمنًا أو غير مؤمن بشرط ألا يعتدى على المسلمين..
لقد علمنا الحبيب كيف نحيا حياة سعيدة قوية ولكنها مليئة بالرحمة واليسر والعطاء فكنا خير أمة أخرجت للناس وعندما ابتعدنا عن منهجه وسنته ضاع منا الكثير.. فالتشدد ليس من الإسلام وكذلك التفريط والتساهل ليس من الإسلام، وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الإسول عليكم شهيدا.. وتلك الوسطية الإسلامية هى التى كانت أبرز أسباب قوة المسلمين وانتصاراتهم.. لقد جعل مجتمع الإسلام والمسلمين وسطيًا أمينًا صادقًا قويًا مجاهدًا يتسم بالتقوى والعفو والعطاء فى كل مجال.. قال عليه الصلاة والسلام فى إحدى خطبه للمسلمين «إن الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.. ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» وقال «لا يمنعنى رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه».
ولعل من الدروس الحياتية التى نحن فى أحوج ما نكون إليها هذه الأيام هو موقفه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وكيف كان عفوًا متسامحًا مع كفار قريش بعد الفتح وقولته الشهيرة «اذهبوا فأنتم الطلقاء» وكما كان قلبه متسامحًا مع الغير فإنه كان أكثر تسامحًا ورحمة وشفقة على المسلمين وكان رفيقًا رقيقًا مع الرعية.. وهو الذى دعا ربه فقال «اللهم من ولى من أمر أمتى شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتى شيئًا فرفق بهم فارفق به».. إنه الرحمة المهداة ومؤسس دولة الإسلام بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والتربوية ومن قبل كل ذلك الدينية، «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحي»ا.. وكما قال سبحانه وتعالى أيضًا «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحد».
أيام ويمر شهر ربيع الأول وذكرى المولد النبوى الشريف.. والخوف كل الخوف أن تنتهى الذكرى فينتهى معها الحديث عن الحبيب وسنته الشريفة والتاريخ الذى أسسه والعطاء الإلهى الذى اختص به.. فإذا كان هناك خلاف حول «يوم 12 ربيع الأول» هل يوم مولده الشريف أو يوم وفاته عليه الصلاة والسلام.. فالمهم أنها الذكري.. ومع كل عمل ورأى وعطاء نبوى نعيش سواء فى هذا الشهر الكريم أو فى أى شهر أو أى يوم فكل لحظة من لحظات حياتنا هى عطاء من الله وعلينا أن نتعلم كيف نستفيد من قدوتنا عليه الصلاة فى كل شيء منذ أن نصحو من نومنا حتى نعود للنوم.. ففى كل عمل وفى كل قول وفى كل أمر ونهى عطاء إلهى لعلنا نقتدى بأسوتنا الحسنة ونكون معه فى الجنة ونشرب من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدًا ونسعد بشفاعته يوم القيامة.. آمين.