تأتى الذكرى العطرة لمولد الحبيب المصطفى سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – هذه الأيام ونحن – المسلمين – فى أمس الحاجة إلى تنسم عبير ذكراه والتعرف على تفاصيل حياته من يوم مولده حتى يوم أن توفاه الله.
لقد تنبأ عليه الصلاة والسلام بما يحدث لنا ومعنا وحولنا الآن وغداً وما ينطق عن الهوى – كم قال الله سبحانه وتعالى «إن هو إلا وحى يوحي».
ما أحوجنا اليوم للعودة إلى خلق رسول الله وإلى أوامر الله ونواهيه التى بلغنا إياها.. وما أحوجنا إلى السير على نهجه لنعود خير أمة أخرجت للناس.
وما كان الحبيب المصطفى ولا أصحابه ولا سيرته العطرة بما تحويه من معجزات وتعليمات ومواقف رائعة إلا بعطاء الله ورحمته، لذلك أمرنا الله – سبحانه وتعالى – أن نتخذ الحبيب المصطفى قدوتنا وأسوة حسنة لأن الله الذى يعلم كل شيء يعلم أن محمدا كان خلقه القرآن.. وأن الله سبحانه وتعالى هو الذى أدبه فأحسن تأديبه وأن الله سبحانه وتعالى هو الذى منحه هذه الأخلاق العظيمة ليكون شاهداً ومبشراً ونذيراً.. وليكون هو القرآن برغم بشريته «قل انما أنا بشر يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد».
عندما نزل الوحى على رسولنا الكريم علمه الدرس الأول وهو «اقرأ باسم ربك الذى خلق».. نجعل اسم الله دائماً فى بداية كل أمر عندما يأكل أو يشرب أو يمشى أو ينام.. فى كل أمر حياتى كان اسم الله هو البداية وهو النور الذى ييسر ويهدى ولما عاد رسولنا الكريم من الغار وقال لزوجته السيدة خديجة «زملونى زملوني» وهو – عليه الصلاة والسلام – متأثراً بما يحدث فى الغار فأنزل الله – سبحانه وتعالى – الوحى بسورة المزمل وتقول بدايتها: (ياأيها المزمل. قم الليل إلا قليلاً.. نصفه أو انقص منه قيلا.. أوزد عليه ورتل القرآن ترتيلاً. إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً. إن ناشئة الليل هى أشد وطئاً وأقوم قيلا. إن لك فى النهار سبحاً طويلا.. واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً).
فكان هذا هو الدرس الثاني.. لم يقل له الله «لا تخف».. ولم يقل له إنا سنلقى عليك يامحمد الطمأنينة.. لكنه أمره بقيام الليل وعبادة الله وذكر الله بقراءة القرآن وقال له اذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً.. ففى القرآن والذكر والدعاء إلى الله علاج وراحة ورضا وطمأنينة فى كل الأحداث والحوادث.. ومن هنا كان القرآن هو خلق رسول الله.. وكان رسولنا الكريم قرآناً يمشى على الأرض.. ومن هنا كان أمر الله بأن يكون الرسول الكريم قدوتنا والأسوة الحسنة.
تحكى كتب السيرة كيف أن رسولنا الكريم الذى لا ينطق عن الهوى والذى وصفه الله – سبحانه وتعالى – بأنه – صلى الله عليه وسلم – على خلق عظيم.. وأنه – عليه الصلاة والسلام – هو الرحمة المهداة.. وأنه رءوف رحيم.. وأن رحمته ليست للمسلمين خاصة بل رحمته للعالمين.. وقال الحبيب المصطفى عن نفسه إنه «نبى التوبة» كما هو رسول الرحمة وللتوبة شأن عظيم فى الدين لأنها تعنى أولاً تصفية النفس وتزكية للروح ونتيجتها الإخلاص.. ويتميز الحبيب المصطفى عن جميع التائبين بأن الله استخرج حق الشيطان من قلبه حتى لا يكون للشيطان عليه من سبيل – كما يقول فضيلة الإمام الأكبر الشيخ عبدالحليم محمود – فإن الله – سبحانه وتعالى – وقد شاءت إرادته منذ الأزل أن يكون خاتم الأنبياء والمرسلين فأراد – سبحانه – أن يجعل منه المثل الكامل للإنسان الكامل ومسيرة الكمال تبدأ بطهارة القلب وتصفية النفس والتوبة والإخلاص.. وملأ الله صدره باليقين والرأفة والرحمة والسكينة والإيمان والحكمة.. هذا هو الرسول الكريم – كما أراد الله له – وهذا الكمال المحمدى يفسر لنا كل مواقفه العظيمة والنبيلة والقدرة على اتخاذ القرار والرحمة بالمسلمين وغيرهم بل بالحيوان والطير والجماد – نعم الجماد – فهذا جذع النخلة الذى كان يخطب الرسول من عليه فلما تحول إلى المنبر حزن الجذع وحن إلى قدمى رسول الله وهو يقف عليه ويشعر به الحبيب المصطفى وذهب إليه ومسح عليه وأراحه من الحزن وألم الشوق للحبيب.. ولأنه نبى التوبة فلابد أن نعى أن التوبة النصوح انما هى حد فاصل بين عهدين الأول عهد سيطرة الشيطان سيطرة كلية أو جزئية.. دائمة أو مؤقتة وعهد الانطواء تحت لواء عباد الرحمن، حيث يقول – سبحانه وتعالي: «إن عبادى ليس لك عليهم سلطان» يقولها سبحانه ومخاطباً الشيطان.
كم نحن فى حاجة هذه الأيام إلى القدوة والأسوة الحسنة الحبيب المصطفي.. الذى كان أوفى الناس عهداً وأصدقهم قولاً وأكثرهم خشية لله فى حياته يعرف حق ربه وحق نفسه وحق غيره.. عرف حال الدنيا بعلم من الله ففهم الدنيا وحالها والحياة بيسرها وعسرها وأفراحها وأترافها والسياسة وشئونها والتربية بفنونها فكان نعم المربى الذى يصبر على الآخرين ويأخذ بأيديهم ويرشدهم دون إيذاء لأحد منهم، يكتفى بالإشارة ويرضى بالتلميح دون التصريح.. كان – عليه الصلاة والسلام – يعرف السياسة وشئونها والحكمة ومعارفها، يراعى الفروق الفردية بين الناس.. رفيقاً فى التصحيح والتصويب لمن أخطأ والصبر على الآخر.. وهو الزوج العادل والأب الحانى والصاحب الوفى والجار الصادق والناصح الأمين.
كم نحن فى حاجة ماسة إلى هذا الخلق الكريم والقدوة الحسنة.. اللهم صلى وسلم وبارك على حبيبك محمد خير الخلق كلهم وسلم تسليماً كثيراً.