إن الأزهر وإن كان لا يزال أمامه الكثير مما يجب إنجازه لمواجهة التحديات المتجددة كل يوم إلّا أننى لا أرتابُ لحظةً أمام ضميرى وأمام الله تعالي، فى أن أؤكد أن الأزهر منصرِفٌ إلى العمل الجادِّ الدؤوب فى صبر وأناة، رُغمَ العقبات التى خلَّفتها تراكُمات السنين، والأشواك التى تزرع على طريقه وهو يعمل فى صَمتٍ، ويحاول أن يبتعد قَدْرَ الإمكان عن كل ما يستنفذ الوقت والجَهدَ والطاقة، وفى هذا ما يشجع الأزهر على أن يعلن للأمَّة كلها أنه كان ولا يزال وسوف يظل بإذن الله المؤسَّسةَ الإسلامية الكبرى التى يقع على عاتقها عبء أمانة الحفاظ على دين الله، وأن منهجه هو العاصم من الانزلاق بعيدًا عن الجادة إمّا يمينًا وإما يسارًا، وأنه الحارسُ الأمين على المحجَّة البيضاء التى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلا هَالِكٌ ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ».
والأزهرُ ماض فى طريق العلم والتعليم، يفدُ إليه من أقطار العالم ما يقارب أربعين ألف طالب وطالبة من أبناء المسلمين من أكثر من مئة دولة، يتعلمون الإسلام مجانًا وحسبة لله تعالي، ويُنفَقُ عليهم من أموال مِصر ومن خزائنها وميزانياتها، حتى لو كان الوافد أو الوافدة من أغنى الدول وأكثرها ثراء وأشدِّها رفاهية.. وهذه مَكْرُمة لمصر، أختصها الله بها من بين سائر الدول الإسلامية، بل هى سِرٌّ من أسرار قُوَّةِ كِنانةِ الله فى أرضه، ودليلٌ على أصالةِ شَعبِها وعراقة تاريخها وعظمة حضارتِها.