إن التاريخ لا يعرف نظامًا كرَّم الأمَّ مثلما جاءت به شريعة الإسلام التى جعلت بِرَّ الأمِّ من أصول الفضائل، والإحسان إليها ورعايتها من باب البِرِّ الَّذى يقتضى الاهتمام بها، والعطف عليها، والأدب معها، والإحسان إليها فى القول والعمل، وهذا ليس ببعيد عن قول النَّبيِّ ? لجاهِمةَ بنِ العبَّاسِ بنِ مِرْداسٍ السُّلَميِّ عندما أراد الغزو: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَالْزَمْهَا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا»، بأن يضع نفسه تحت أوامرها ونواهيها، وكأنَّه –بالنِّسبة لها– عبدٌ تأمره فيطيع، ولا شكَّ أنَّ فضل الأمِّ يفوق فضل الأبِ، وحقوقها تفوق –ثلاث مرَّات– حقوق الأب، فقد جاءَ رَجُلٌ إلى رسولِ اللَّهِ ? فقال: يا رسول الله، مَنْ أحقُّ الناس بحسنِ صحابتي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». لأنَّ الأُمَّ حمَلت، وتألَّمت، وأرضعت، وربَّت، وسهرت، وتعبت، وهى سبب وجودنا فى هذه الحياة؛ فلها الفضل بعد الخالق.
ولقد تَوقَّف القرآن الكريم عند معاناة الأمِّ الزَّائدة الَّتى من أجلها تَستحِقُّ من الابن أن يُوقِّرها ويَبَرَّها، قال تعالي: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» ممَّا يوجب علينا جميعًا التمسَّك بفضيلة بِرِّ الوالدَين، وبالأخلُاق الكريمة فى مُعامَلة الأبِ والأمِّ، وأن نَعلَم أنَّ بِرَّ الوالدَين كَنْزٌ يُورِث سَّعة الرِّزق، ويُورث طُول الأجل.