ستبقى ملحمة طابا طويلا فى الذاكرة المصرية.. وهى حقا ملحمة تكمل حرب أكتوبر.. وهى حرب ثانية بين مصر وإسرائيل تكمل ملحمة حرب أكتوبر.. ولكن بسلاح الدبلوماسية والتاريخ والجغرافيا.. لاستعادة الأرض المصرية.. خاضتها مصر ضد العدوان الإسرائيلى ومحاولة اقتطاع هذه القطعة من أرض مصر.. وكان جنود هذه المعركة دبلوماسيين وعلماء فى القانون وفى التاريخ وفى الجغرافيا.. وأيضا عسكريوها الذين خدموا فى المنطقة وقدموا مايثبت تواجدهم فيها قبل حرب 1967 بل قبل حرب 1956.. ثم شاركهم فيها ضباط أجانب من قوات الأمم المتحدة خدموا فيها بعد حرب 1956.. وجمعت وثائقها من أطراف الدنيا من مصر أولا.. ثم من تركيا وانجلترا وأمريكا بل من إسرائيل نفسها.. كلها تثبت مصرية طابا.. وتدحض مزاعم إسرائيل الباطلة.
> وقد تواصلت مؤامرات إسرائيل بالاستيلاء على طابا قبل انهاء الاحتلال.. ومن قبل الانسحاب الإسرائيلى من سيناء فى 25 أبريل 1982 ثم بعد خروج الاحتلال.. وحتى قبلت إسرائيل مرغمة مشارطة التحكيم.. ثم أثناء التحكيم إلى ما قبل صدور حكم التحكيم بأيام.. ثم بعد صدور الحكم بشهور إلى أن رضخت وخرج آخر جنودها ومجنداتها من أرض طابا ظهر يوم الخامس عشر من مارس 1989.
>>>
> قبل صدور حكم التحكيم الذى أقر بأن طابا مصرية.. كانت آخر محاولات أو مؤامرات إسرائيل للاستمرار فى طابا.. وكانت هنا خدعة حاولت تنفيذها من خلال السفير الأمريكى إلى مصر والذى التقى بالرئيس مبارك ليقول إن حكم التحكيم سيصدر بعد أيام لصالح إسرائيل.. ومن مصلحة مصر ان تقبل إدارة مشتركة لطابا.
> وقد روى القصة الأستاذ الدكتور مفيد شهاب الذى كان أحد الأعمدة المهمة فى فريق مصر أمام محكمة التحكيم فى القضية.. وكان أحد شهود هذه الخديعة مع الرئيس مبارك.. وذكر الدكتور مفيد شهاب كيف ان السفير الأمريكى فى القاهرة ابلغ الرئيس مبارك ان الحكم فى قضية التحكيم سيصدر لصالح إسرائيل.. وانه ينصح مصر ان تسحب القضية من أمام المحكمة الدولية.. وان أمريكا ستقدم بديلا فى اتفاق تضمنه ويقضى بأن طابا منطقة مشتركة بين مصر وإسرائيل.. بدلا من أن تفقدها مصر.. وتكون السيادة فيها مشتركة لمصر وإسرائيل.. وقال إن إسرائيل وافقت على الحل الأمريكى.. ولكن مبارك بعد ان تأكد من سلامة موقف مصر وقوته فى القضية رفض هذا العرض الأمريكى.. أو لنسمه باسمه: المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية لانقاذ إسرائيل من حكم التحكيم بإعادة طابا إلى مصر.. وهى مؤامرة اللحظة الأخيرة.. من قبل الحكم بأيام.. وكان رفض العرض الأمريكى بلاشك تقديرا سليما للموقف اتخذه الرئيس الراحل حسنى مبارك بعد ان سمع تقديرات الموقف.. فأفشل بذلك هذه المؤامرة.
>>>
> ولاشك ان التآمر الإسرائيلى على طابا لم يكن وحده.. فقد سبقته محاولات عديدة للاحتفاظ بمستوطناتها فى سيناء أو الاحتفاظ بالبترول.. وكلها رفضها الرئيس السادات رحمه الله.. وأيضا لم يأت التأمر على طابا عند موعد الانسحاب فحسب.. وإنما بدأ قبل الانسحاب بفترة طويلة.. واضمرت إسرائيل الاحتفاظ بطابا لإستراتيجية موقعها من ناحية.. ولكى تمنح إيلات الامتداد بمسافة كيلو متر آخر على خليج العقبة.. وقد جرى هذا دون ان تسفر إسرائيل عن نواياها إلا قبل اتمام الانسحاب فى 25 أبريل 1982 ربما بهدف تعطيل الانسحاب.. وربما ظنا منها ان مصر ستصر على الانسحاب من كل سيناء وإلا فلا.. ثم مباحثات كامب ديفيد وطابا مع كلينتون وباراك.. والتمسك بكل شىء وإلا الرفض.. ولكن الرئيس الراحل حسنى مبارك.. فوت الفرصة عليهم وقبل الانسحاب بدون طابا على ان يتم حل الخلاف حولها وفقا لما نصت عليه معاهدة السلام بالتفاوض.. وبالتوفيق ثم التحكيم لحل أى مشكلات تنشأ عن تطبيق المعاهدة.. وهو ما حدث بعد ذلك.. ولكن إسرائيل ظلت تماطل.. وأصرت على التوفيق.. ولكن مصر طلبت التحكيم مباشرة لإدراكها أن التوفيق يعمل على إيجاد حل وسط وهو ما ترفضه مصر تماما فى مسألة أرضها.
> وكما قلنا من قبل بدأ موضوع طابا قبل ذلك بفترة طويلة.. والدليل على هذا انى عرفت به فى ختام عام 1980 فى زيارة لى لحضور مؤتمر دولى سياحى بأمريكا يعقد كل سنة بالتناوب بين الولايات الأمريكية.. كما ذكرت فى مقالى السابق.. حيث عرفنى على صاحب فندق سونستا صحفى أمريكى صديق ممن التقى بهم دائما فى هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات السياحية الدولية.. قال لى تعال سأعرفك بمن سيحدث لكم مشكلة فى الانسحاب من سيناء.. وكان ان قدمنى إلى «باشادو» وهذا هو اسم صاحب فندق سونستا فى طابا.. ومنه تلقيت اغرب دعوة.. لحضور افتتاح الفندق عندما يكتمل بناؤه.. ولما قلت إن هذه ليست أرضكم فكيف تبنون عليها.. قال لى أنا أعرف ذلك.. وبيجن ــ رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت ــ يعرف ذلك أيضا وقلت له.. والكلام لباشادو.. لماذا لا نبنيه بعيدا فى داخل إسرائيل.. قال لى بيجن ابنى الفندق.. سنأخذ هذه الأرض.. وقلت انا وقتها ولكنكم ستنسحبون طبقا لاتفاق السلام.. وسنأخذ الأرض بما عليها بما فيها هذا الفندق.. قال لى إذا حدث هذا فسوف اطقه.. يقصد نسفه.. ولا اعرف ان كانت كلمة اطقه أى ينسف موجودة فى اللهجة الإسكندرانية أم لا.. ثم عاد يؤكد لى: «بيجن قال لى سنأخذ هذه الأرض.. اطمئن واشتغل».
> وتطورت الأمور بعد ذلك.. ولكن الرجل الذى قال إنه سينسف الفندق ولا تأخذه مصر.. دخل فى مفاوضات اللحظة الأخيرة قبل الانسحاب فى 15 مارس 1989 التى تولاها وفد مصر برئاسة الراحل فؤاد سلطان وزير السياحة والطيران ليصل بالسعر إلى 37 مليون دولار بما فيها بعض الاكواخ إلى جواره وكانوا يعتبرونها قرية سياحية.. ولم يكن السعر ليصل إلى أكثر من عشرة ملايين دولار بأى حال.. لو كانت ظروف الشراء عادية.. ولكن الوفد الإسرائيلى فى المفاوضات كان يعرف ضغط الوقت.. ويعرف إصرار مصر.. على ضرورة انهاء كل الذيول قبل انسحابهم من طابا.
>>>
سياحه مثلث طابا ــ تبوك ــ العقبة
> مازالت هناك الكثير من الأسرار حول طابا.. فى ملحمتها.. وفى تاريخها الحديث منذ مطلع القرن العشرين.. وفى هذه المناسبة لابد ان نحيى وفد مصر المقاتل فى قضية التحكيم أمام المحكمة الدولية.. وندعو بطول العمر لمن أمد الله فى عمرهم ليعيشوا الاحتفال بعودتها عاما بعد عام.. ونترحم على من رحلوا إلى جوار الله سائلين الله لهم جنة الخلد جزاء ما قدموه إلى وطنهم فى هذه المعركة الوطنية المهمة من أجل الحفاظ على تراب الوطن.
> وأخيرا.. أكرر هنا اقتراحى لتنشيط السياحة إلى طابا.. والذى نشرته فى الأسبوع الماضى حول سياحة مثلث طابا ــ تبوك ــ العقبة.. الذى ينقل السياحة إلى آفاق جديدة فى هذه المنطقة بين الدول الثلاث.. وإلى مناطق محدودة منها حول هذه المدن.. وبتأشيرة مخفضة تسرى على المدن الثلاث.. واملى ان تجرى دراسة الاقتراح فى الدول الثلاث ووضع خطة طريق لتنفيذه.