لو أننا شاهدنا وقائع هذه القصة فى فيلم سينمائي، لاتهمنا المؤلف والمخرج والممثلين بالجنوح إلى الخيال والابتعاد عن الواقعية والانعزال عن هموم البشر، فالتفاصيل تتجاوز حدود الخيال رغم كونها قصة حقيقية تناقلتها وسائل الإعلام، وما يهمنا فى هذه القصة هو أنها تكشف جانبا مهما من أخطائنا فى تربية أبنائنا، فنحن نتعامل مع الطفل فى سنوات العمر الأولى بمنطق اللعبة الجميلة الغبية.. نستمتع بعجزه، نفرح باحتياجه لنا، ونبالغ فى التقليل من قدراته وذكائه.
تقول القصة أن سيدة فى سبعينات العمر نجت من موت محقق على يد حفيدها الطفل الصغير الذى لا يتجاوز عمره ثلاثة أعوام، والذى تصادف وجوده معها فى غياب بقية أفراد الأسرة وقت تعرضها لازمة صحية قاتلة، وأن الطفل تصرف بحكمة تفوق حكمة الكبار. فقد أصيبت السيدة المسنة التى تعانى من مرض السكر بهبوط شديد فى نسبة السكر فى الدم أدخلها فى البدايات الأولى للغيبوبة القاتلة.. ومرضى السكرى يعرفون أن هبوط سكر الدم أكثر خطورة من ارتفاعه، وان العلاج على بساطته قد لا يتوفر للمريض بسبب عجزه عن التصرف، فماذا فعل الطفل الصغير ابن الثلاثة أعوام؟.
أسرع الطفل المعجزة، أو هو كذلك بالنسبة لنا، إلى زجاجة دواء كانت والدته تعطى منه للجدة عندما تصاب بنفس الأعراض، ولأن الجدة كانت شبه غائبة عن الوعى أو أضعف من أن تتعاطى الدواء فقد قام الطفل بفتح فمها وإعطائها كمية من الدواء ببطء شديد، وسارع إلى الثلاجة واحضر زجاجة عصير وبدأ يسقى منها جدته التى استعادت عافيتها بالتدريج لتنجو من موت مؤكد.
بالنسبة لنا فأن هذه القصة تؤكد المقولة الشهيرة «اعطنى عمرا والقنى فى البحر»، وسوف نكتفى بالتأكيد بتفسير الأمر على أن هذه السيدة لا يزال فى عمرها بقية وأنها مشيئة الله التى هيأت لها أسباب النجاة حتى ولو كان ذلك على يد طفل خارج لتوه من مرحلة الرضاعة إلى الفطام.. وعلى الرغم من صحة كل ذلك، إلا انه ليس كل شيء، هذا الطفل لم يفعل ما فعل من فراغ، فقد شاهد ما حدث لجدته مرات، وشاهد والدته وهى تتصرف، وسألها وأجابت عليه وشرحت له واحترمت تفكيره وحاولت تبسيط الأمور له بحيث يستوعب ما يحدث، لم تنهره، لم تطلب منه عدم التدخل فيما لا يعنيه، كما نفعل نحن.
تذكرنى هذه القصة بواقعة أخرى تجسد الفرق وتوضح مكامن الخطأ والخطر، كانت زوجة أحد الأصدقاء ـ وهى أجنبية ـ تنتظر طفلا جديدا، وكنت أشاهدها تقضى أوقاتا طويلة تشرح لطفلتها الصغيرة التى لم تتجاوز الثلاثة أعوام الكثير من الحقائق حول الحمل والولادة ومن أين سيخرج الطفل القادم وكيف تكون، كلام نخجل نحن من شرحه حتى للبالغين من أبنائنا، فما زلنا نحكى لأطفالنا مع كل مولود جديد فى الأسرة.. قصة العصفورة التى أحضرت الطفل أو قصة الطفل الذى استيقظنا فى الصباح فعثرنا عليه أمام باب البيت.. وعندما سألتها عن السبب، قالت إن من حق طفلتها أن تعرف كل شيء عن الطفل الجديد الذى سيشاركها حياتها ويأخذ بعضا مما كانت تحظى به من رعاية واهتمام.