أتصور أن الوصف الأدق، لحديث الرئيس السيسي، خلال الندوة التثقيفية الـ 39 للقوات المسلحة، بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، بكل ما تناوله من قضايا شتي، ونقاط غاية فى الأهمية، هو أنه كان حديثًا من القلب، لم يخلُ كعادة الرئيس من العفوية الشديدة، فى الكلام، بدون «رتوش»، هكذا بمنتهى الصراحة، والمكاشفة، والصدق، والبساطة.. تشعر وكأنه يرى كل واحد فينا، ويكلمه وجهًا لوجه، يعرف تمامًا ما يشغله، وما يفكر فيه، وكل ما يجول بخاطره، ولديه رغبة أكيدة وشديدة، على إطلاعه على أدق التفاصيل، وبأقصر الطرق، وأشدها مصداقية.
نعم، كانت كلمة الرئيس، فى الندوة التى جاءت بمناسبة احتفال مصر والقوات المسلحة بيوم الشهيد، «شاملة جامعة».. تستشعر حين توجه بحديثه لأسر شهدائنا حجم تقديره لهم، وإحساسه بهم، وإنسانيته تجاههم.. تمعن معى فى كلماته إليهم: « نتعهد بأن تظلوا أمانة فى أعناقنا.. مصر كلها أهلكم.. وشهداؤكم أبناؤنا جميعًا.. رمز فخرنا ومبعث عزتنا.. سيبقون فى وجدان أمتنا محل تقدير واحترام الضمير الوطني.. ودليلًا قاطعًا على أن حب الأوطان ليس شعارات تُرفع، أو عبارات تُنطق، وإنما تضحيات حقيقية، ثمنًا لصون مصر وأمنها واستقرارها وتقدمها».
كل التقدير والاحترام توجه به الرئيس كذلك، بلسان شعب مصر، لرجال القوات المسلحة البواسل، الذين حملوا ولا يزالون يحملون على عاتقهم بكل عزيمة وإصرار وشجاعة حماية مقدرات ومكتسبات الوطن، جنبًا إلى جنب مع رجال الشرطة الأشداء المخلصين فى حفظ أمن مصر، والمتسلحين جميعًا بالولاء لهذا الوطن العظيم.. وانظر معى إلى عبارة الرئيس السيسى الآتية، والتى تختصر فى اعتقادى أهم ما نجحت فيه مصر، منذ ثورة 30 يونيو، وإلى يومنا: «سيحكى التاريخ يومًا، كيف كان العبور قاسيًا، بمصر وشعبها، من حافة الخطر والفوضى والضياع، إلى بر السلامة والأمان والاستقرار».
توقفت كثيرًا أيضًا أمام هذا الشعور بالأمل، فى أن القادم أفضل، وقاربنا على الوصول إليه، عندما قالها الرئيس بثقة واضحة من نبرة صوته: «لن يمضى وقت طويل، حتى ينعم المصريون بحصاد جهدهم، واستثمارهم فى المستقبل».. الرجل «لخص حكاية سنين مضت»، بكل ما جرى خلالها، فى كلمات معدودات: «إمكانياتنا ليست كبيرة، واخترنا الطريق الصعب، لتتحول مصر إلى دولة قادرة».
أقصى درجات الصدق مع النفس ومعنا تجدها فى قوله: «عندما اخترتمونى لتولى المسئولية، قلت لكم تعالوا نتحمل المسئولية معًا، لم أقدم نفسى أثناء الترشح، على أننى المُخلِّص، وحديثى ووعودى لم تتغير.. الدول تستغرق نحو 57 عامًا، لتكون ذات شأن لم أعدكم بأن الأمر سينتهى فى عام أو اثنين، أو حتى 10 سنوات، وبرغم ذلك ما شهدته مصر لم يكن ليحدث أبدًا فى ظل ظروفنا الصعبة، لم أغامر بكم، ولم أتخذ قرارًا يُضيع مصر، والإنجازات على أرضها يستطيع أى أحد رؤيتها».
10 سنوات مكافحة للإرهاب بتكلفتها.. وما حدث عامى «2011 و2013» له تكلفته.. ولا يستطيع شخص واحد أن يتحمل هذه التكلفة بمفرده.. الكلام للرئيس.. وأعتقد أنه «بيشرح نفسه»، دون الحاجة إلى تبسيط فوق هذا التبسيط.. نعم – والكلام لى أنا هذه المرة– كلنا فى مركب واحدة، كلنا رأينا رأى العين، وعايشنا بأنفسنا كل ما جرى ومرت به مصر، وكيف نجت من مصير مخيف سقطت فيه دول عدة بالإقليم، ولم تستطع إلى الآن النهوض، ومستقبلها فى «علم الغيب»، فما بالنا أننا نجونا بالفعل، والآن نقف على أرض صلبة، أمن وأمان واستقرار، وأمل قريب فى المستقبل، فمن غير الإنصاف ألا نحمل كل العرفان لمن أكرمنا الله به لينقذنا، ومن غير المقبول أن نُحمِّله دائمًا فوق طاقته، بل هو فرض عين لا فرض كفاية على كل منا أن نواصل معه التحمل، لنستحق ما نتمناه، ونطمح إليه، وما اقتربنا بالفعل من تحقيقه.
مَن يمكنه أن ينكر تلك الأزمة الكبيرة التى عشناها، جراء الفاتورة المالية المرهقة التى فرضتها علينا، جائحة «كورونا» ؟!.. ومَن بمقدوره كذلك التغافل عن التبعات الاقتصادية الثقيلة للحرب «الروسية – الأوكرانية»، التى وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه أمامها، رغمًا عنا، ودون اختيارنا؟!.. ثم ها هى حرب غزة، ليس فقط بتوابعها الاقتصادية الشديدة علينا، وإنما بما تمثله، مضافًا إليها أيضًا كل ما تشهده المنطقة من تحديات تُحدق بالأمن القومي، وتتطلب أن يكون الجميع على قدر المسئولية واليقظة.. الرئيس خاطبنا بالمنطق.. مَن ذا العاقل الذى يستطيع أن يتجاهل المنطق فيما سبق.. قالها الرئيس: «كل هذه الظروف الصعبة.. لم نختلقها نحن.. بل نتحمل لحل الأزمات».. معه كل الحق.
على ذكر غزة، وما يجرى فيها، دعونا نتأمل ما جاء على لسان الرئيس بالحرف الواحد: «أقول للشعب الفلسطيني، المرابط على أرضه، مصابكم مصابنا، وألمكم ألمنا، لن تتوقف مصر، ومهما كان الثمن، عن العمل من أجل حصولكم على حقوقكم المشروعة، فى دولتكم المستقلة».
قمة الإحساس بالمسئولية تجاه القضية الفلسطينية، والذى يتجلى فيما أتبعه الرئيس، حينما قال: «هناك مَن طرح فكرة أن تستقبل مصر نحو ٢ مليون فلسطينى من قطاع غزة، فى سيناء، بحجة أن مساحتها كبيرة، وتحل المشكلة.. ولكن كيف لمصر أن تخون القضية الفلسطينية، وتخون كل تلك الدماء، التى سالت من أجلها، وفى نفس الوقت فإن أرض سيناء جزء من أرضنا، ولن يفرط فيها أحد».
المشهد الاقتصادي، كان حاضرًا بقوة فى حديث الرئيس للشعب.. بنفس الوضوح، وبذات المكاشفة، قال الرئيس: «أكدت منذ ٨ شهور أننى سأقف أمام التعويم، لأنه يمس الأمن القومى المصري، وعندما استطعنا توفير نحو 45 أو 50 مليار دولار، من خلال مشروع رأس الحكمة، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، إلى جانب موارد أخري، أقدمنا على تطبيق سعر الصرف المرن».. أضاف الرئيس أن الفترة الماضية شهدت ارتفاعات فى أسعار السلع، استنادًا لأسعار غير حقيقية للدولار، وأكد أنه لم يتخذ إجراءً حادًا تجاه أى أحد حتى لا تتعقد الأمور أكثر من اللازم.. متابعًا: «لا أتحدث عن الوعى الديني، والحلال والحرام، لكن هذه النقطة غائبة عن الكثيرين».
أختم مقالى بجملة، قالها الرئيس: «من الممكن أن نتحمل قليلًا.. لكن لا تديروا ظهوركم إلى بلدكم».. أعتقد أنها إحدى الرسائل شديدة الأهمية، من الرئيس للشعب المصري.. وأنا على يقين أنها وصلت لكل مواطن.. حريص على بلده.. ومستقبله ومستقبل بلده.
حفظ الله مصر.