إذا أردت أن تسمع صوت تاريخ مصر وتشاهد بعينك عظمة مؤسساتها الدينية..فما عليك سوى أن تجمع إرادتك.. وتُولي وجهك ناحية مكتبة الأزهر.. وهناك سوف ترى واحدة من أعظم مكتبات العالم.. بها مخطوطات يزيد عمرها عن عدة قرون .. لن تجد مكانا خاليا من طلاب وباحثين جاءوا من كل فَجٍّ عميق.. يريدون الحصول على العلم من منابعه والمعرفة من مواردها.. ومما يدهشك حالة التقدم التقني في الحفظ والبحث التي توفرها مكتبة الأزهر لمن يقصدونها من مختلف دول العالم والذين يقارب عددهم مليون زائر سنويا..الجمهورية تجولت في أرجاء المكتبة رصدت بالصورة مع مديرها وأمين عام الجمعية المصرية للمكتبات مجدي مهران حركة العمل في المكتبة والحفظ للمخطوطات التي يبلغ عددها نصف مليون منذ كانت كتب متفرقة في أروقة الأزهر حتى جاء الإمام المجدد محمد عبده وقرر جمعها في مكتبة واحدة.
المكتبة لا تقتصر في رسالتها على أهل الأزهر من العلماء والطلاب، بل تفتح أبوابها لمحبي الاطلاع عشاق المعرفة على اختلاف أجناسهم ومللهم، يطالعون فيها ما يشاءون من الكتب بالقدر الذي يسمح به مكان المكتبة وأنظمتها وتقاليدها.
وكما يقول مهران فمكتبة الأزهر تعد واحدة من أهم مكتبات العالم العربي والإسلامي لارتباط نشأتها بالجامع الأزهر، مما جعلها بمثابة مركز إشعاع ثقافي وحضاري يحمل بين طياته تاريخ أمة، وقد ظفرت المكتبة بالعديد من المخطوطات والمطبوعات النادرة التي لا نظير لها في أماكن أخرى ، كان من أنظمة الأزهر قديما نظام الأروقة، والرواق عبارة عن بناء يسكنه مجموعة من الطلبة متحدى الجنس أو المذاهب، ومن أشهر هذه الأروقة : رواق المغاربة، والأتراك، والشوام، والصعايدة، وقد بلغ عدد ها ٢٩ رواقاً آخرها الرواق العباسي، الذي تم تشييده عام 1315هـ وكان من التيسير على طلبة العلم أن يكون لكل رواق مكتبة خاصة به، ولكن عيب هذه الأروقة أنها لا تخضع لأنظمة المكتبات الحديثة، وظلت هكذا حتى أفاق الأزهر على صوت مُصْلِحَهِ وباعث نهضته الإمام محمد عبده، الذى فَكَّر في إنشاء مكتبة أزهرية حديثة تجمع شتات الكتب المتفرقة في مكتبات الأروقة، إضافة إلى حفظ تراث علماء الإسلام بصفة عامة وعلماء الأزهر بصفة خاصة، و نالت فكرته القبول من أعضاء المجلس الأعلى للأزهر، وخاصة الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر حينها، واختار لمكتبة الأزهر مكانا مناسبا، ثم قام الإمام محمد عبده بإقناع أهل الاروقة بأن يضم هذه الكتب والمخطوطات إلى المكتبة، وذلك عام 1897م، وفي عام 1994م تم نقل المكتبة إلى مبنى جديد مكون من 14 طابقاً، وتم إنشاء فرع آخر للمكتبة بمحافظة الأقصر فرع القرنة عام 2015م ليكون فرعاً للمكتبة يخدم أبناء مصر العليا.
المبنى الجديد كما يوكد مهران تم إنشاؤه بأحدث الطرق العلمية للمكتبات على مستوى العالم ومزود بكافة الأنظمة الحديثة التي يمكن من خلالها تقديم خدمات للباحثين بشكل أفضل من حيث معامل الرقمنة والترميم والعمليات الفنية، كما تم إنشاء قاعات اطلاع على النسق الحديث من حيث القاعات المفتوحة التي تتيح للباحثين الإفادة من خدمات المكتبة بشكل فعال ومتطور يواكب التطور الكبير في مجال المكتبات، وتم إنشاء متحف للمخطوطات لعرض المخطوطات النادرة والمجموعات التي تتميز بها مكتبة الأزهر الشريف .
> سألت مهران كم يبلغ عدد المخطوطات التاريخية في المكتبة وما هو تاريخ أقدم مخطوطة؟
>> فقال تمتلك مكتبة الأزهر الشريف حوالي الأنظمة الحديثة التي يمكن من خلالها تقديم خدمات للباحثين بشكل أفضل من حيث معامل الرقمنة والترميم والعمليات الفنية، ومزود بأحدث الأجهزة المعملية، والذي يعود للقرن الرابع الهجري، وأحدثها يعود للقرن الثاني عشر الهجري
> ما هو عدد الكتب النادرة بالمكتبة وأشهرها؟
>> ظفرت المكتبة بالعديد من النوادر في كثير من الفنون بعدما ورثت خلاصة الثقافة الإسلامية في الشرق ممثلة في مؤلفات علماء الجامع الأزهر وعلماء العرب، فقد كان الأزهر قبلة هؤلاء جميعا لألف عام، ومن أشهر هذه النوادر: قطعتان من مخطوطتين من مصحف شريف سنة 456 هـ، ومجموعة رسائل الإمام السيوطي بخط يده، وعددها ستة عشر رسالة، ومخطوط حياة الحيوان للدميري، وغريب الحديث لابن سلام، جمعه صاحبه في أربعين سنة وكان خلاصة عمره، والسرعة في القراءات السبعة، وهداية أولى البصائر في معرفة أجزاء الليل والنهار في علم الفلك، وحُسن المحاضرة للسيوطي وهو من أهم المخطوطات في علم التاريخ، وعمدة الطالبين لابن الوزير، ومعجم ما استعجم من اسماء البلاد جغرافيا، والكشاف الزمخشري وكذلك القانون في الطب لابن سينا، والمجموعة الكمالية ليوسف كمال في فن التاريخ، والقول الصريح في علم التشريح، ومصحف مكتوب بأكمله في 19 صفحة للفنان المصري على لطفي.
> هل تحوي مكتبة الأزهر تبرعات من العلماء؟
>> هناك مكتبات خاصة حملت الغيرة الدينية أصحابها على اهدائها للأزهر الشريف ليكون نفعها وقفا على العلماء وطلبة العلم بالأزهر ، ومن أشهر هذه المكتبات: مكتبة حليم باشا وقد وزعت بين الأزهر ووزارة المعارف وحصل الأزهر عام 1912 على 2857 مجلدًا في فنون: القراءات، والحديث، والتصوف، والفلك، والتاريخ، والطب، وبها كتب باللغات التركية والفارسية، وعدد من المخطوطات المرصعة بالذهب، ومكتبة الشيخ الرافعي والتي تم التبرع بها سنة 1927م وتضم 1457 مجلدا، وهي أغنى المكتبات الخاصة بكتب الفقه الحنفي، وبها مخطوطات من نوادر شرح السندي على الدر المختار، ويتكون من 16 مجلدا، ومكتبة المفتي الأسبق محمد بخيت المطيعي، مفتى مصر وقد أهديت المكتبة إلى مكتبة الأزهر عام 1938 م وعدد مجلداتها بلغ 3365 مجلدا، ومكتبة الشيخ الإنبابي شيخ الجامع الأزهر وقد وقفها على طلبة العلم، وظلت بمنزله حتى أهدتها الأوقاف للجامع الأزهر عام 1941م، وتضم 1453 مجلدًا، ومكتبة بسيم أغا وتحتوى على 1000 مجلد في مختلف الفنون، ومكتبة الشيخ العروسي ويبلغ عدد مجلداتها 818 مجلدًا وأغلبها في النحو والتاريخ، ومكتبة السقا الطبية واخيه الشيخ عبد العظيم السقا، ومكتبة الشيخ حسونة النووي، والشيخ الفحام وتتألف من 1000 مجلد.
> ما هي المميزات التي تجعل مكتبة الأزهر تتفوق على مثيلاتها عالميا؟
>> مكتبة الأزهر لها خواص تختص بها منها وفرة الكتب في العلوم الدينية والدنيوية، وكثرة المخطوطات وقد بلغت المخطوطات قرابة 50 ألف مخطوط في 60 فناً من فنون المعرفة، إضافة إلى تميز هذه المخطوطات بالتنوع الزمني عبر العصور المختلفة ما بين العصر المملوكي، والعثماني، والعصر الحديث
> كم يبلغ عدد الوثائق الموجودة بالمكتبة؟
>> تضم مكتبة الأزهر مجموعة وثائق مرتبطة بنشاط الجامع الأزهر والمعاهد الدينية وهي توثق النشاط الإداري والتعليمي للجامع الأزهر، وتتميز هذه الوثائق بتعدد موضوعاتها وأشكالها، إضافة إلى بعض الوثائق التي توثق التاريخ الوطني لعلماء الأزهر كما حدث في ثورة 1919م، وفى العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك دور علماء الأزهر في مقاومة الحملة الفرنسية بقيادة نابليون.
> ما هي مشروعات التطوير بالمكتبة؟
>> قامت المكتبة بعدد من المشروعات بهدف تطوير ادائها والحفاظ على مقتنياتها وحصرها بكل دقه وتسهيل الاطلاع عليها للمستفيدين في أسرع وقت ممكن وقد شملت هذه المشروعات، ومشروع تصنيف الكتب والمخطوطات، وإصدار طبعة جديدة من مخطوطات مكتبة الأزهر، ومشروعات الميكنة والرقمنة حتى تكون مكتبة الأزهر، مواكبة لأحدث الوسائل والتقنيات الحديثة في حفظ واسترجاع المعلومات وتمكين الباحثين من الاطلاع على محتويات المكتبة في يسر وسهولة، وتنفيذ مشروع قاعدة بيانات المطبوعات وقد بدأ هذا المشروع عام 1967 بهدف بناء قاعدة بيانات بها ما يقرب من 35 ألف عنوان، ومشروع ابن رشد لحفظ مخطوطات مكتبة الأزهر، ومشروع ذاكرة الأزهر الشريف بهدف تعريف العالم بتاريخ الأزهر وتراثه، بمشاركة وزارة الاتصالات ومركز التوثيق الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندري.
ما هي أهداف مشروع ذاكرة الأزهر؟
استدعاء عظمة الازهر وإبراز تاريخه المجيد، ودور الأزهر في التقريب بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وإبراز جهود علماء الأزهر في مختلف المواقف العلمية والثقافية والاجتماعية والوطنية.
> ما هي مخرجات المشروع؟
>> للمشروع ثلاث مخرجات: بانوراما ذاكرة الأزهر، وموقع إلكتروني بثلاث لغات، وطباعة كتابي الأزهر المنارة والعمارة، ومختارات من ذاكرة الأزهر، ومشروع ترميم ورقمنة المخطوطات بالتعاون مع مركز جمعة الماجد لتوثيق التراث.
> كم يبلغ عدد المترددين على المكتبة من الطلاب والباحثين؟
>> تستقبل المكتبة سنوياً 850 ألف زائر تقريباً بين طلاب العلم والباحثين، في مختلف المجالات البحثية والاهتمامات الثقافية وتوفر لهم المكتبة خدماتها المختلفة بين الاطلاع على ما تحتويه المكتبة من الكتب أو الاطلاع الإلكتروني على مخطوطاتها الأصلية التي تخدم العلوم والفنون المختلفة.
> ما هي أشهر الشخصيات العالمية التي زارت المكتبة؟
>> حظيت مكتبة الأزهر الشريف بزيارات عديدة لشخصيات عالمية أبرزها زيارة الأمير وولي العهد تشارلز الثالث ملك بريطانيا الحالي عام 2006م، ورئيس تونس السابق زين العابدين بن علي، وعبد الرحمن واحد، رئيس إندونيسيا السابق والذي درس برواق الأتراك بالجامع الأزهر، وهواري بومدين رئيس الجزائر الأسبق والذي درس برواق المغاربة، ومأمون عبد القيم الرئيس الثالث لجزر المالديف.
> هل يتم تكويد الوثائق والمخطوطات للمحافظة عليها من السرقة؟
>> بالفعل تمتلك مكتبة الأزهر الشريف إجراءات علمية تستطيع من خلالها حفظ ما تمتلكه من أوعية تراثية من خلال تكويدها – رقمنتها – اتاحتها على قواعد البيانات.
> هل هناك وثائق ومخطوطات يسعى الأزهر لاستعادتها من الخارج بعد ثبوت استيلاء مكتبات عالمية عليها؟
>> لم يسبق أن فقدت مكتبة الأزهر الشريف شيئاً من أوعيتها الثقافية، فمكتبة الأزهر الشريف بالتعاون مع مصلحة الجمارك المصرية على تواصل دائم لتفادي مثل تلك الاحتمالات، كما تقوم المصلحة بإخطارنا بشكل دوري حال تحفظها على أي مخطوطات او كتب للتأكد من امتلاك الأزهر الشريف لها.
> ما هي مراحل ترميم المخطوطات والوثائق؟
>> تتم عملية ترميم المخطوطات والوثائق من خلال مراحل تبدأ بحصر المقتنيات وتحديد مظاهر التلف التي تصيبها وبيان الأولوية لعملية الترميم من خلال الأكثر إصابة ويحتاج تدخلا سريعا، وتساعد عملية الحصر في إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالترميم وذلك بالتعاون بين ادارة الترميم وباقي ادارات المكتبة، ثم تأتي مرحلة تعقيم المقتنيات ضد الحشرات والفطريات التي تصيب أوراق المخطوطات والكتب حتي يتسنى لأخصائي الترميم البدء في عملية العلاج وايقاف التلف الحشري من خلال عملية التعقيم، وبعدها تأتي مرحلة التوثيق قبل البدء في الترميم لبيان حالة المقتنيات قبل البدء في الترميم وتستمر عملية التوثيق أثناء مراحل العلاج المختلفة إلى أن يتم الانتهاء من الترميم والتوثيق مرة أخرى بعد انتهاء العلاج والترميم، وبعدها يأتي تنظيف المخطوطات عن طريق الفُرَش والأساتيك لإبعاد أية أتربة توجد على اسطح الأوراق، بعدها تأتي المعالجات الكيميائية للمخطوطات باستخدام مواد كيميائية لعلاج حموضة الأوراق الناتجة عن عمليات الأكسدة والاختزال وعوامل التلف الجوي في بيئة الحفظ، ويتحقق الترميم اليدوي من خلال ترميم الأوراق باستخدام ألياف لب الورق ومادة الكربوكسي ميثيل سليلوز بتركيزات محددة لإتمام عملية لصق الألياف، وتعد تلك المرحلة من المراحل الدقيقة جدا في عملية الترميم، وتستغرق وقت كبير للانتهاء منها بشكل دقيق يساعد على الحفاظ على المقتنيات من التدهور، كما نستخدم ألياف الورق الياباني والكوزوفي علاج التشققات الموجودة على اسطح أوراق المقتنيات، كما أننا نستعين بأدوات خياطة حديثة يتم من خلالها خياطة أوراق المخطوطات قبل عملية التجليد باستخدام خيوط من ألياف معالجة مسبقا للحفاظ على تماسك الأوراق ومعالجة الخيوط الموجودة لضمان عدم تعرضها لتلف حشري او فطري، وهناك تجليد وترميم الأغلفة للمخطوطات باستخدام الجلد الطبيعي من نفس درجة لون الغلاف الأصلي للمخطوط ،وفي حالة عدم وجود غلاف أصليتأو تم تلفه بشكل يصعب ترميمه يتم صناعة غلاف جديد للمخطوط بنفس الطابع الفني الذي يتناسب مع عمر المخطوط وباستخدام مواد معالجة ضد الحشرات والفطريات، وبعد الانتهاء من عملية التجليد يتم صناعة علب حفظ من الورق المقوى خالي الحموضة لضمان حفظ المخطوط وعدم انتقال اي اصابة له مجدداً.