أعجبتني جدا مقالة للكاتب الصحفي البريطاني الراحل «روبـرت فـيسـك «، (12 يوليو 1946 – 30 أكتوبر 2020)، التي تم نشرها في جريدة الاندبندنت البريطانية في ١ مارس 2007، ثم تم ترجمتها وإعادة نشرها، عن الخلط بين مفهوم الحكومة والوطن في العالم العربي. وهو صحفي وكاتب ومؤرخ ومراسل حربي، ومن أشهر الصحفيين في العالم، وقام بتغطية أبرز الأحداث منها الحرب الأهلية اللبنانية، وكان شاهدا علي مذبحة صبرا وشاتيلا، وأحد الذين يعرفون طباع العرب جيِّداً، وعاش في العديد من الدول العربية قرابة ثلاثين عاماً، وكان يسكن في مدينة بيروت، وكان مراسل «الأندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط، وكان من الصحفيين الغربيين القلائل، الذي يُعتبر صحفيا مناهضاً لسياسة أمريكا وبلده بريطانيا في الشرق الاوسط. ومن مفارقات القدر، أنه حصل علي درجة الدكتوراة من نفس الجامعة البريطانية التي حصل منها كاتب هذه السطور علي درجة الدكتوراه في الهندسة.
ويقول روبرت فيسك في مقالته: «أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النظافة، السببُ أن العرب يشعرون أنهم يملكون بيوتهم.
وعلل ان هذا يرجع إلي سببين :
الأول: أننا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بحد ذاتها، الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقي للأبد، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضم عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد. لهذا من حق كل إنسان أن يرفض توجيهات الحكومة أحيانا الحكومة، ولكن ليس من حقه أن يكره الوطن، والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن، هو أن نعتقد أننا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن، وكأن الوطن للحكومة وليس لنا.
ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها ابني وابنكَ، وبالمستشفي التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتكَ، الأشياء ليست مِلك مَن يديرها، وإنَّما مِلك مَن يستخدمها، نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخري لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً.
الثَّاني: أن ثقافة الملكيَّة العامًَّة معدومة عندنا، حتي لنبدو أننا نعاني انفصاماً ما، فالذي يحافظ علي نظافة مرحاض بيته، هو نفسه الذي يسيئ إلى المرحاض العام، والذي يحافظ علي الطاولة في البيت، هو نفسه الذي يحفر اسمه علي مقعد المدرسة والجامعة، والأب الذي يريد من ابنه أن يحافظ علي النظام في البيت، هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بانتظار دوره، والأُم التي لا ترضي أن تُفوِّت ابنتها محاضرة واحدة، هي نفسها التي تهربُ من الدوام .
خلاصة القول:
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن، إن الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته لاترضيه، لا يستحقُّ حكومة أفضل، ورقينا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا، وإنَّما بنظافة الحديقة العامة بعد جلوسنا فيها.
لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن.
وصدق القائل: الإنسان لا يحتاج إلي شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلي أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة «.
وكاتب هذه السطور، يتمني من كل من يقرأ هذه المقالة، أن يشارك في التعميم بقدر حبه للوطن، ومهما كان حبه أو كرهه للحكومة.