كيف تدخل إلى شهر رمضان الفضيل دخولا صحيحا يأخذ بيديك وعقلك وقلبك إلى الله؟.. إلى عالم النور والصفاء إلى كل ما تشتاق إليه النفس والروح من هدوء وسكينة واطمئنان.. إلى ما تطمح إليه من فيوضات وتجليات واشراقات نورانية تغسل الروح وتطهر الجسد من كل ما علق بهما من ادران.. وتزيل هموما تراكمت.. وأحزانا خيمت.
مفاتيح رمضان لا يملكها إلا أهلها بحق.. هى معهم دائما لا تضيع منهم ولا يغفلون عنها.. ومرور الأيام يجدد الحيوية ويدفع بكل خير إلى الأمام فهم ماضون فى الطريق إلى الله بعزيمة صادقة لا يحتاجون إلى خاصية إعادة ضبط المصنع ولا يلجأون إليها إلا قليلا فالنور يتقدمهم ويدفعهم من كل اتجاه إلى درجات غاية فى السمو والرقى يألفونها وتألفهم؟!!
مفاتيح رمضان عندهم ليست بحاجة إلى فوازير أو لوغاريتمات أو أى شيء يشغل العقل ويلهى القلب عن تلك الاغراض السامية والمقاصد العلية العالية لأهل الله وخاصته المحبون المتحابون فى الله ولله.
الحب الغائب هو أكبر معضلة تعرقل مفاتيح رمضان الحقيقية وقد تمنع أنوارها من أن تعم الخلق والخلائق.. الحب قوة هائلة خارقة لا يستهان بها ولها مفعول السحر فى كل معارك التحدى وعلى المستويات كافة.. الحب ليس قوة دفع فقط ولكنه حصن وحماية وأمان ضد المنغصات ويمنح طاقة احتمال لا محدودة لكل الصعاب وينزع فتائل التوتر والقلق مهما كان حجمها ويصل بك إلى مرافئ الأمان والطمأنينة..
حالة الحب الحقيقية هى الكفيلة بمواجهة موجات الهوس.. سيقف الحب المدعوم بقوى الإيمان ضد رغبات وتسلطات النفوس المريضة المفرطة فى الرغبات.
الحب المؤيد بالإيمان هو أنجح سلاح لضرب الاحتكار والإتجار والتفنن فى إرهاق الغلابة ومن قست عليهم الحياة بتداعياتها وتطوراتها.
عندما يسود الحب سوف تستقيم مفاتيح الولوج إلى رمضان سيستقيم مفهوم الاستعداد لرمضان وبدلا من الاستغراق فى الحالة المادية والياميش والمكسرات والمسكرات وكل ما يزلزل العقول والميزانيات المثقلة بالاساسيات والضروريات.
حقيقة لا أعرف حتى الآن من هو العبقرى صاحب مفتاح الولوج إلى رمضان بالمكسرات وكل أنواع الياميش إياها!
ومع أن القاعدة التى يتبارى ويتنافس حولها المتنافسون السعى نحو اغتنام نفحات رمضانية نورانية مباركة والامل والرغبة دائما فى التعرض لتلك النفحات.. وفقا لقاعدة «ألا إن لكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها».
من مفاتيح ومفاتح رمضان خلق حالة من الوعى وإثارة الإنتباه.. والتخلص من التفاهة ورفض التفاهات وكل ما يقرب إليها من قول وعمل.. والتى زاد من مصيبتها وسطوتها غول وسائل التواصل الاجتماعى واخواتها بعد أن تحولت واستفحل داؤها العجيب والغريب والمريب..
لابد من الإشارة إلى أن التفاهة لعنة عالمية أو عربية إسلامية خالصة فهى فيروس يضرب أطناب الأرض يقوم عليه زبانية حاذقون مدربون بارعون لتحقيق أغراض كثيرة وللأسف ليس من بينها صالح البشرية أو جلب ما يحقق لها السعادة حتى وإن زعموا أن ذلك من بين مقاصدهم..
إنها جزء من لعبة فرض الهيمنة والسيطرة والتلاعب بالشعوب لتنفيذ خطط جهنمية لتمرير مخططات شيطانية للسيطرة على العالم أو على الأقل نقاط الارتكاز فيه ومحاور يمكن أن تنغص عليهم طرق السعى وفرض الهيمنة والاستحواذ بكل أنواعه وأشكاله الفكرى منها والسياسى والاقتصادى والاجتماعى لتحقيق غاية الاستلاب الحضارى وغير ذلك..
هناك أشياء كثيرة مرعبة ومدهشة ايضا على صعيد صناعة التفاهة.. وتمددت هذه الصناعة بقوة وبلا حساب فى عصر الميديا وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعى واخواتها المتعددة والمتشابكة.. فقد أصبحت ظاهرة لا يمكن أن تخطؤها عين مراقب حصيف أو غير حصيف ومن يتأمل الصورة سيجد العجب العجاب والتى قد يظنها البعض مزحة ولا يتصور أى مستوى من الانحدار والانحطاط ينتظر ويصيب قطاعا عريضا وليس هينا.
فقد انتشرت فى العالم الافتراضى انتشار النار فى الهشيم بدءا من الشائعات والثرثرة وترويج الأكاذيب وفوضى الكتابات والتعليقات والصور الساخرة. كما ترتبط التفاهة بكل من الإغراء بالحياة المرفهة وبروز مجتمعات الاستهلاك والحث على ثقافة الاقتناء المستمر والبذخ والإسراف فى شراء سلع الرفاهية غير الضرورية.
الظاهرة ليست حديثة ولا هى مفاجأة فيها فقد رصدها مبكرا ومنذ سنوات الفيلسوف الكندى آلان دونو فى كتاب حظى بشهرة واسعة وتمت ترجمته للغات عدة جعل عنوانه «نظام التفاهة» أوضح فيه انتشار التفاهة فى المجتمعات. وأكد فيه قوة وسيطرة التفاهة!!
وأصبحت اللامبالاة مبدأً فعالاً وهدفًا يجب تحقيقه فى إنتاج اللا تفكير أو خواء المعني.. وانتقلت الثقافة والفنون من العمق إلى التسطيح.
لعل ما يثير الدهشة أن الجمهور نفسه أصبح مشاركا فى صناعة التفاهة وما يجرى فى كثير من مقاطع التيك توك والريلز اصدق دليل اغراء وغواية وفضائح ومساخر شخصية.
يرى كثير من الخبراء والمختصين أن مساحة حرية الطرح فى مواقع التواصل الاجتماعى الكبيرة ساعدت الآلاف من صنّاع التفاهة أن يتصدّروا المواقع ويحصدوا يوميا ملايين المشاهدات على فيديوهاتهم وبالتالى تزداد مكاسبهم من الشركات الراعية لتلك التطبيقات الخطرة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا..
وأصبح هؤلاء يتزاحمون بين طامح بالشهرة وراغب بالمال. لكنَّ الغريب أنه يوجد آلاف من صنّاع التفاهة وصلت مقاطعهم إلى مئات الملايين من المشاهدات وملايين المشتركين.
فى مواسم الطاعة والتقرب إلى الله.. نحتاج إلى منهج جديد يأخذ بايدى الناس إلى مرافئ النفس المطمئنة الواثقة المتحفزة لفعل الخير دائما.. نحتاج إلى دعم صناعة التنافس على الخيرات وخلق ملايين المتنافسين..
** يقول الله تعالي: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» «آل عمران: 133» وقال: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» «الحديد: 21»،
والله المستعان..