لو كتب القلم تاريخ المجازر ما وجد في الذاكرة مثل مجازر الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يعرف الزمن مثله في القسوة والتبجح وتجاهل القوانين الإنسانية والقيم، وما وجد أسوأ من هذا المجتمع الدولى الخائن لكل مواثيقه ومبادئه التي وضعها بنفسه وتجاهلها دعمًا لإرهابي تل أبيب وإرضاء للوبي اليهودي المتحكم في الإدارة الأمريكية والكثير من العواصم الغربية ليس هناك أسوأ من ألا تجد صرخات الأبرياء من يسمعها في عالم فقد إنسانيته.
وليس أسوأ من أن يتعامى العالم عن مذابح ترتكب في وضح النهار، وأطفال ونساء وشيوخ يتساقطون وتتطاير أجسادهم في السماء من شدة وقوة القنابل التي يستخدمها الاحتلال الذي سقط في وحل الخسة وحضيض الندالة، ومعه سقطت قوى كانت تزعم أنها واحة الانسانية وحامية الديمقراطية فكشف أبرياء غزة حقيقتها الدموية.
الموت حق لكن العدوان باطل وحرب الإبادة جريمة المفترض أن مرتكبها مجرم حرب مطلوبا للمحاكمة، ورغم ذلك ما زالت بعض العواصم تستقبل نتنياهو وتحتفى به ليس تحديا للقوانين فقط بل تحديا للانسانية ذاتها.
لقد ناشدت مصر مبكرًا المجتمع الدولي الصامت أن يخرج من صمته وأن يوقظ ضميره وأن يتحرك ليوقف المجازر المروعة، ويردع الجاني ويحمى الأبرياء، لكن لقد أسمعت أن ناديت حيا، لكن لا حياة لمن تنادى، والمجتمع الدولى لم تعد فيه حياة بل صمت مخز يجسد موتًا جماعيًا.
والغريب أن بعض المتشنجين يتجاهلون الصامتين والمتخاذلين ولا يرون إلا مصر، وكأنها مطلوب منها أن تواجه وحدها، رغم أن الكل مطالب بالتحرك والدفاع عن الحق الفلسطيني، لكن لا نجد إلا بعضا من الشجب وقليلا من الإدانة، بينما مصر تواجه بوضوح وتتصدى بحسم.
مصر قدمت ومازالت تقدم لفلسطين وشعبها ما عليها وأكثر، ولو كتب القلم وسجل قصة الحرب منذ بدايتها لوضع مصر فى مساحة خاصة لمواقفها الشريفة وتصديها القاطع وقولتها الصادحة، لا تهجير ولا تصفية ولا سماح بالمساس بالأمن القومي، قولة مصر كانت الفاصلة في تعثر مخطط خبيث كان يسير فى هدوء من أجل تنفيذه والقضاء على قضية شعب كامل وإنهاء تاريخ دولة عريقة بل دفن القضية تماما، لو صمتت مصر ما كان هذا المخطط وجد من يتصدى له ويمنعه، لكن ليست مصر الدولة التي تصمت على ظلم، ولا هي التي تتأمر على شعب شقيق أو تتخاذل عن دورها، قالها الرئيس السيسي لن نشارك في ظلم، ولهذا فالثوابت المصرية هي التي أيقظت الضمير العالمي، وغيرت البوصلة من دعم دولي عارم لإسرائيل تحت خدعة أنها مجنى عليها، إلى مساندة للفلسطينيين بعدما أيقن العالم أنهم بالفعل أصحاب حق، والانصاف يقتضى الاعتراف بأن مصر هي من البداية سر التغيير العالمي والتحول في الرأي العام الدولي من النقيض إلى النقيض، وأكبر دليل على موقف مصر ودورها في دعم الأشقاء هو الغضب الإسرائيلي الشديد وعمليات الانتقام من مصر بالأكاذيب والشائعات ومحاولات تقزيم دورها بكل السبل لكن كالعادة مصر تفرض دورها على الجميع كما تفرض ثوابتها لأنها على حق ولديها من القدرة والاستقلالية ما يمكنها من أن تفعل ذلك.
لو عدنا بالزمن إلى 77 عاما لوجدنا أن مصر منذ 1948 وحتى الآن هي من تحمل القضية الفلسطينية على أكتافها وتدافع عنها وتحارب من أجلها أكثر من 120 ألف شهيد دفعوا الثمن.
كما أن مصر هي التي تقاتل على مر العقود من اجل السلام الصعب وحق الشعب الفلسطيني في دولته، ولا يمكن أن ننسى أن من هاجموا مصر وقاطعوها بسبب السلام هم من يحلمون به الآن ولا يجدونه. ومن هاجموها لأنها تتحدث عن دولة على حدود 67 هم من يطالبون ويتمنون الآن دولة فلسطينية على ربع هذه المساحة وللأسف مع كل مرة تقدم مصر الحل فتتعرض لهجوم وعندما يثبت أنه الحل الأفضل يدعى كل طرف أنه من طرحه.
ما يقرب من 8 عقود ومصر تدافع عن القضية وفى الوقت نفسه لا تتوقف عمليات التشويه والاستهداف لها من كل الأطراف وبينهم للأسف بعض الفلسطينيين أنفسهم. ومنذ بدأت حرب الاحتلال على غزة فى 8 أكتوبر 2023 والأيام والمواقف والأرقام كلها تقول معنى واحد مصر هى من تحمى القضية الفلسطينية.
ومن يريد أن يفهم ذلك عليه أن يسأل نفسه..
من كشف حقيقة المخطط. ومن رفض التهجير صراحة وبشكل قاطع، ومن قال إنه لن يسمح بتصفية القضية رغم كل الضغوط والتعزيزات والاغراءات، ومن أصر على دخول المساعدات الإنسانية لغزة واتخذ في سبيل ذلك موقفا أغضب منه قوى كبرى… ومن تحمل مسئولية ادخال هذه المساعدات ووفر وحده أكثر من 75 بالمائة منها.
من دعا إلى مؤتمرات دولية من أجل القضية وحذر من خطر التصعيد من فتح أبوابه ومستشفياته للمصابين والجرحى الأشقاء من جعل أكثر من 80 بالمائة من تحركاته الدبلوماسية هدفها فضح جرائم الاحتلال وشرح الحق الفلسطيني للعالم وحشد المواقف الدولية المساندة له من الذي يحاول أن يلملم الشمل الفلسطيني من أجل توحيد الموقف.
ما فعلته مصر طوال الـ 18 شهراً كثير من أجل فلسطين ونصرة غزة مصر بقيادتها الوطنية وشعبها القوى ومؤسساتها اليقظة وإعلامها الذي كان الأوضح والأجرأ في رصد جرائم الاحتلال.
ثم بعد كل هذا نجد من يناضلون من الاستديوهات بالدولارات ويتحدثون عن ضرورة فتح الحدود المصرية لمحاربة إسرائيل، رغم أن الحرب لها أبواب كثيرة لمن يريد لكنهم لا يريدون الحرب ولا يفكرون فيها، وإنما يريدون إحراج مصر وإهالة التراب على دورها وما قدمته وتشويه مواقفها.
لا تهتم مصر كثيرا بالمتربصين فمهما فعلت لن ترضيهم ولا يشغلها أن ترضيهم من الأساس، مصر تعمل وفق ثوابت وتخاطب الضمير وتتحرك من منطلق إيمان بالقضية الفلسطينية وأن دورها هو الدفاع عن حق الأشقاء في دولتهم وعدم السماح بأي محاولات لخلعهم من أرضهم وتهجيرهم منها وفضح الاحتلال.
مصر تعرف جيدا كيف تسائد القضية الفلسطينية لأنها الأكثر فهما للتحدى وخبرة بالصراع، وتتحرك دون مزايدات رخيصة لا تصطنع مصر دورا ولا تشترى موقفا وإنما تتعامل بشرف وتدفع الثمن وجاهزة لكل السيناريوهات وأصعبها، لأنها مصر الكبيرة التي لا يمكن أبدا القفز على دورها أو استلابه، بل دورها يفرض نفسه بالتاريخ والمبدأ والقوة والقدرة.