ما يحدث في المنطقة تجاوز مرحلة القلق إلى خوف ينتاب الجميع من تطورات كارثية لن يتحملها أحد بسبب الإصرار الإسرائيلي على إشعال الأوضاع وتحويلها إلى جبهات حروب المعلن فيها من تل أبيب أنها تواجه مصادر الخطر والتهديد لأمنها، لكن المؤكد أنها تسير أو هكذا تعتقد، بخطوات محددة نحو تحقيق مخطط مرسوم ويتم تنفيذ مراحله دون مراعاة لأى مخاطر أو خسائر، لا في البشر ولا في الدول، والواضح أن تل أبيب لديها ضوء أخضر أمريكي وغربي بأن تستكمل ما بدأته إلى النهاية.
وفي هذا الاتجاه نجد أن نتنياهو وحكومته لا يبالون بمصير المحتجزين لدى حماس، مثلما لا يتوقفون عند معدل الخسائر الذي يتزايد في صفوف جيش الاحتلال أو التراجع الذي يعاني منه الاقتصاد الإسرائيلي، ولا حتى معدلات هجرة الإسرائيليين هربا من خطر الموت.
الواقع الذي تعيشه المنطقة الآن هو أن إسرائيل تتعامل وفق منهجها، على كل الجبهات. سواء بالقصف الصاروخي واستخدام الضربات الجوية المدمرة، جريمة إبادة شاملة في غزة، وتدمير في جنوب لبنان واستهداف أشخاص محددين بالاسم ولا تضع تل أبيب لنفسها حدوداً، سواء في عدد من تستهدفهم أو مساحات التعامل، وتفجيرات البيجر الخاص بعناصر حزب الله أكبر دليل على ذلك، كما أن ما حدث في غزة طوال عام ووصل إلى تحويل المدينة إلى ركام يؤكد أن مساحات الدمار مفتوحة، وهو ما يحدث الآن في الجنوب اللبناني وكما كشف مندوب الاحتلال في مجلس الأمن فسوف يواصلون حتى يحدث في جنوب لبنان ما حدث في غزة، وبغض النظر عن أن حزب الله نفسه لديه أخطاء كارثية، ويساهم بأفعاله فى زيادة الأزمة.. لكن هذا لا ينفى جريمة إسرائيل التي لا نعرف إلى أين ستكون خطوتها القادمة.
الواضح تماما الآن والعالم يحتفل حزينا بيوم السلام أننا نبتعد بمسافات كبيرة عن فكرة السلام، لأن إسرائيل لا تريده، والولايات المتحدة تسير على نفس الهوى الإسرائيلي، حتى وإن تحدثت عن رغبتها في السلام وأكدت على حل الدولتين، فهذا ليس أكثر من كلام دبلوماسي لا يمكن البناء عليه، لأن من يريد السلام فعليا لا يمكن أن يقبل أو يصمت على ما تفعله إسرائيل، بل المفترض على الأقل أن يكون له موقف واضح وحاسم يعطى من خلاله رسالة للجميع أنه رافض لهذه التجاوزات والخروقات لكل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولكن هذا لم يحدث ولا تزال واشنطن تتابع في صمت ما ترتكبه إسرائيل، بل وترسل اليها الأسلحة وتحرك قطعها البحرية لحمايتها وتوجيه إنذار لكل من يفكر في الاقتراب منها.
أما المجتمع الدولي والقوى الغربية فهى أيضا تتعامل بنفس المنطق، حتى القرارات الأممية التى من المفترض أن يلتزم الجميع بدعمها، وآخرها قرار إلزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال لم يلق الصدى الغربي المطلوب.
لقد أصبحنا في موقف دولي سيئ للغاية، واستمراره أو تطوره ستكون تداعياته كارثية، وهذا ما اكد عليه بيان الخارجية المصرية أمس وهذا الصمت الدولي مخر، بل يعد في حد ذاته جريمة في حق الانسانية.
وأعتقد أن النداء المصرى المتكرر للمجتمع الدولي أصبح هو الحل الوحيد لإنقاذ المنطقة من دمار أصبح وشيكا، وسيدفع ثمنه العالم كله، مصر تدعو المجتمع الدولى إلى ممارسة دوره بجدية من أجل وقف هذا التصعيد الكارثى. ولن يتحقق هذا إلا من خلال الزام إسرائيل بوقف حربها على غزة واحترام قرارات الشرعية الدولية، فبدون وقفة دولية واضحة وحازمة لن يحدث شئ ولن ترتدع إسرائيل ولن تتوقف عن إجرامها. ولن تتراجع عن مخططها الذي تصر عليه.
بالتأكيد هناك دور آخر على الدول العربية والإسلامية لابد أن تقوم به لإظهار العين الحمراء لإسرائيل، وأن ما تفعله لن يمر دون حساب وأن تجاوزاتها غير مقبولة، وهذا ما فعلته مصر عندما وضعت إسرائيل أمام خطوط حمراء لم تجرؤ أن تقترب منها لأنها تعلم عواقب ذلك جيدا، وما فعلته مصر رسالة واضحة أن القوة والحسم والموقف الثابت كفيل بردع اسرائيل، وهذا يمكن أن يحدث لو أصبح هناك موقف جماعي عربي وإسلامي دولي فمن العيب أن دولة تمارس كل هذه الجرائم وأكثر من 53 دولة عربية وإسلامية ومعهم أيضا المجتمع الدولي غير قادرين على إجبارها على الالتزام وعدم التصعيد.
المساندة والاجماع الدولى الواضح والعمل على دعم مصر في التصدي للمخطط الإسرائيلي بشكل عملي وليس مجرد تصريحات سيكون نقطة فارقة، فردع اسرائيل ممكن لكن عندما يتحرك الجميع ويظهرون الغضب الحقيقى في وجه تل أبيب.