حينما نستعرض ونتأمل خارطة التدين على مستوى العالم نقف على حقيقة واضحة جلية ألا وهي أن النموذج المصري الأزهري المعتدل، يحظى بالقبول والثقة لدى المؤسسات العالمية بل ولدى شعوب العالم كله، ولم يأت هذا الأمر وليدا للصدفة، ولا نتيجة للعمل العشوائي، بل جاء نتاج تجربة فريدة تاريخية وحضارية قادها عبر التاريخ الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية ذات المرجعية الأزهرية كدار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف المصرية، وهذه دعوى صادقة تشهد لها براهين واضحة وأدلة ساطعة، منها مثلا النجاح منقطع النظير لمؤتمرات الإفتاء والأوقاف وتأكيد كل من شارك من الوفود رفيعة المستوي علي هذه الحقيقة الناصعة.
ومنها أيضا أن عدد من تخرجوا في جامعات الأزهر الشريف قد تجاوز العشرين مليونا حول العالم وهو عدد لا مثيل له على مستوى العالم في المجال الديني ، ومعظم هؤلاء الخريجين أصبحوا سفراء للإسلام في العالم ينشرون العلم الصحيح والدعوة الوسطية والعمل النافع في أنحاء العالم بحكمة وبصيرة وفق المنهج الأزهري الوسطي، ومنهم من وصل إلى سدة الحكم في بلاده ومنهم من ارتقى أعلى المناصب الدينية والتنفيذية، وعبر التاريخ الإسلامي كان الأزهر الشريف ولا زال قبلة لطلاب العلم والعلماء من المشرق والمغرب، وكانوا يجدون بغيتهم من العلم في الأزهر الشريف ومن المعاملة الحسنة وحسن الضيافة من شعب مصر الحضاري المضياف.
وقد انعكست هذه الريادة المصرية الوسطية أيضا في القبول العام والانتشار الكبير الذي حققته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم كأول مظلة عالمية ينضوي تحت لوائها أكثر من مائة دولة ، وقد لعبت الأمانة من خلال نشاطاتها المختلفة دورا بارزا في تصدير الفكر الإفتائي الوسطي إلى العالم كله، وتصحيح صورة مصر في الساحة الدولية بعدما سعت الجماعة الإرهابية إلى تشويه صورة مصر في ربوع العالم، وقدمت الأمانة جهودا كبيرة في مجال محاربة التطرف والإرهاب ومحاصرة المؤسسات التابعة للجماعات الإرهابية وغل يدها عن استقطاب هذه المؤسسات الإفتائية ضد مصر.
انعكست هذه الريادة المصرية الوسطية في الإقبال العالمي الكبير على حضور الفاعليات والمؤتمرات الدولية التي يعقدها الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات افتاء في العالم ووزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ناهيك عن سعي مؤسسات العالم إلى عقد اتفاقات شراكة وتوأمة مع جميع المؤسسات الدينية المصرية.
وقد دعمت الدولة المصرية منذ بداية عهد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي المؤسسات الدينية المصرية بكافة أشكال الدعم التي تسهل لها القيام برسالتها على أكمل وجه، وقدم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية عميقة لتجديد الخطاب الديني كانت بمثابة الشرارة المحفزة لكافة المؤسسات الوسطية المصرية للانطلاق والتجديد ورفع الآصار والقيود التي كبلت بها التيارت المنحرفة عقول كثير من الشباب بأفكار ظلامية لا تمت بصلة إلى ديننا الوسطي الحنيف، والطابع العام لهذه المؤسسات ومصدر قوتها وسر انتشارها في ربوع العالم أنها مؤسسات متعددة متنوعة بحكم الوظيفة والتخصص إلا أنها تنضوي جميعها تحت لواء الأزهر الشريف وتنتمي إلى مرجعيته الوسطية، وفي هذا السياق لابد من الإشادة بجهود الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف الذي بذل جهودا كبيرة من أجل ثبات واستقرار تلك المرجعية الأزهرية العريقة، وحافظ على التوجه الوطني للمؤسسات الدينية الوسطية، وقدم نموذجا مشرفا لقيادة الأزهر الشريف لتحقيق الأهداف الوطنية السامية.
إن ما تسعى إليه مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي حفظه الله تعالى أن تعمل مؤسساتنا الدينية العريقة في وحدة وائتلاف وتناغم وتعاون على تصحيح الخطاب الديني وتجديد معالمه ورفع درجة الوعي لدى الجماهير وبخاصة فئة الشباب ليس على مستوى مصر فقط بل على مستوى العالم، فلا زالت مصرمستهدفة في تدينها ووسطيتها من قبل جماعات إرهابية مضللة، ولا زالت مسيرتها التنموية والإعمارية والاقتصادىة مهددة من قبل من لا يرجون لمصر خيرا ولا سلاما ولا تقدما ولا استقرارا، وإن مصر بدورها الريادي وامتدادها الحضاري وبقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وبمؤسساتها الدينية العريقة ذات المنهج الأزهري الوسطي تستطيع أن تستكمل دورها الحضاري في صناعة الوعي الصحيح ونشر الفكر الوسطي والتدين الصحيح على مستوى العالم، وتسطيع أن تقود قاطرة التدين العالمي إلى بر الأمان
إن الرؤية الدينية الوسطية الصحيحة التي تثمر الأمن والسلام والتعايش وقبول الاختلاف وقيم السلم والتسامح، سوف تنعكس على مسيرة الشعوب أمنا واستقرارا وتقدما وقد رأينا كيف دمرت دول وشردت شعوب وتخلفت بلاد وتجمدت مسيرتها بل تراجعت إلى الخلف مئات السنين بفعل الأفكار المغلوطة التي وجهت بدقة لتدمير هذه البلاد وتشريد شعوبها، إذن لا تنمية ولا تقدم ولا تحدبث ولا تطوير إلا بنشر الفكر الوسطي المتسامح الذي يدعو إلى السلام والتعايش وفق الرؤية التي تتبناها وتنشرها مؤسساتنا الدينية ذات المرجعية الأزهرية الوسطية، ورغم كل التحديات فإن هذه المؤسسات جميعها تتوحد تحت مرجعية الأزهر الشريف وتأتلف لتحقيق الرؤية المصرية الوطنية التي دعا إليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارا وتكرارا وهي رؤية تجمع بين الآصالة والمعاصرة ، رؤية تعمل على جعل التدين الوسطي هو الملمح العام الأصيل لتدين الشعوب، رؤية تنبثق من أن التدين في جوهره عقيدة وأخلاق وسلوك، وعلم وعمل يثمر الأمن والأمان والسلام والاستقرار.