الإسراء والمعراج معجزة من أبرز معجزات نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وباسمها سميت سورة الإسراء، حيث يقول رب العزة (عز وجل) فى مفتتحها: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».
وهنا ينبغى النظر إلى الإسراء والمعراج ودراستهما من منطلق أنهما من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فرحلة الإسراء والمعراج ليست رحلة عادية ولا أمراً بشرياً بحتاً، بل هى تأييد وتثبيت ربانى لنبينا صلى الله عليه وسلم فى وقت كان شديداً عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وهذا المنظور دون سواه هو الذى يغلق كثيراً من دوائر الجدل حول هذه المعجزة، وهو أحد أسرار إفراد سورة لها، وقد افتتحت هذه السورة بقوله تعالي: «سبحان الذى أسرى بعبده»، وهو أسلوب تنزيه لله عز وجل وتعجب من عظمة قدرته، فما هو عجيب أو مستغرب فى دنيا الناس ليس بعجيب ولا مستغرب عند من أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وفى الإسراء والمعراج دروس عديدة من أهمها: أن مع العسر يسرًا وبعد الشدة فرجاً، ولا يغلب عسر يسرين، فحين تداعى أهل الأرض على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولقى من قومه وأهل الطائف ما لقى فتحت له السماوات العلا أبوابها فى أعظم رحلة تكريم فى تاريخ الإنسانية، حيث يقول الحق سبحانه: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ❊ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ❊ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ❊ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ❊ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ❊ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ❊ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ❊ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ❊ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ❊ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَي».
ولا شك أن رحلة الإسراء والمعراج جاءت تكريمًا لخاتم الأنبياء والمرسلين، وتسرية عنه (صلى الله عليه وسلم) بعد أن أصابه من أذى قومه وغيرهم ما أصابه، ذلك أنه (صلى الله عليه وسلم) بعد أن لقى من مشركى مكة فى سبيل إبلاغ دعوة الله (عز وجل) ورسالته ما لقى من الأذي، خرج إلى الطائف لعله يجد عند أهلها النخوة أو النصرة، فكانوا أشد أذى وقسوة عليه (صلى الله عليه وسلم) من بنى قومه، إذ سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين، وتوجه (صلى الله عليه وسلم) إلى ربه (عز وجل) بدعائه الذى سجله التاريخ فى سطور من نور: «اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِى عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِى أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِى غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَي، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك».
وهنا كانت العناية الإلهية حاضرة.
وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان
يقول نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم :»اعلمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ».
ومن مقدمات هذه الرحلة نتعلم ضرورة الصبر عند الشدائد، ومنها نتعلم حسن الظن بالله والثقة فيه والتعلق بحبله سبحانه، فمن كان مع الله كفاه، وهو حسبه ومولاه، فنعم المولى ونعم النصير.