خوف من فراغ قيادى بعد نصر الله.. وشبح الانقسام يسيطر على الجميع
تعد عملية اغتيال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله –فى ضربة إسرائيلية ضخمة استهدفت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت– خسارة غير مسبوقة للحزب، لانه يعتبر الشخصية الأبرز فى تاريخ التنظيم منذ نشأته منذ أكثر من 40 عاما، وأتت هذه الضربة فى وقت حرج للغاية لكل التنظيمات والجماعات المسلحة التى كانت ترى فى نصر الله شخصية قادرة على تحدى إسرائيل.
تولى حسن نصر الله رئاسة الحزب كان سببا فى زيادة نفوذه الشعبى فهو الشخصية التى غيّرت المشهد السياسى فى لبنان وقاد التنظيم نحو الانخراط فى العملية السياسية اللبنانية لذا فان عملية اغتياله لايمكن مقارنتها بأى عملية اغتيال أخري، مثل استهداف شخصيات من الجناح العسكرى لحماس أو قيادات فى حزب الله. هذه الحادثة تعد ضربة هائلة، ليس فقط لحزب الله، بل لإيران التى فقدت «عميلها الأول خارج حدودها».
مع الإعلان عن مقتل نصر الله، أصبح حزب الله بلا رأس يوجهه، خاصةً بعد الضربة الإسرائيلية التى أسفرت عن اغتيال جميع أعضاء هرم القيادة تقريبًا، فان أبرز التداعيات التى خلفتها تلك العملية هو الفراغ القيادى فى التنظيم، الذى بحسب خبراء ومحللون قد يصعب ملؤه بسرعة، على الرغم من وجود كوادر قيادية أخرى مثل نائبه نعيم قاسم، مما قد يؤدى إلى اضطرابات داخلية أو ضعف فى القيادة.
وبالبحث عن الشخصية التى ستتولى رئاسة الحزب خلفا لنصرالله، فانه من المرجح أن يكون رئيس الهيئة التنفيذية فى الحزب هاشم صفى الدين رئيس المجلس التنفيذى أو محمد يزبك رئيس الهيئة الشرعية فى الحزب. لكن التحدى الأكبر أمام الأمين العام الجديد للحزب ما إذا كان «قادرا على إدارة الحزب وضبطه مثل نصر الله وتوحيد الصفوف».
العقبة الثانية التى سيواجهها الحزب بعد اغتيال قائده هى توحيد الصف الداخلى بين أعضاء الحزب وفصائله. وبحسب الخبراء فان مقتل نصرالله وتصفية معظم قيادات الحزب قد تفتح الباب أمام خلافات بين الأجنحة المختلفة، خصوصًا بين الجناح السياسى والعسكري، وهو ما قد يؤدى إلى تشتت القيادة وضعف التنسيق الداخلي.كما أنه قد يحدث صراع داخلى على من سيتولى قيادة الحزب رغم أن حزب الله يمتلك هيكلية تنظيمية واضحة.
ويمكن أيضا أن تظهر بعض الانقسامات بين القادة المتنافسين على السلطة أو على النهج الذى يجب اتباعه بعد نصرالله. فقد يرى بعض القادة ضرورة التصعيد العسكرى ضد إسرائيل، بينما قد يرى آخرون الحاجة للتهدئة والتركيز على الاستقرار الداخلي. وهذه الاختلافات ربما تؤدى إلى انقسام فى التوجهات داخل الحزب.
وفى حال لم يتمكن الحزب من التوصل إلى اتفاق سريع بشأن القيادة الجديدة ومن بعدها على رؤية الحزب المستقبلية، فكل ذلك سيؤدى إلى ظهور فصائل داخلية تتنافس على النفوذ. وهذا النوع من التشرذم يمكن أن يضعف الحزب داخليا فى مواجهة التحديات الخارجية ويقلل من قدرته على المحافظة على وحدته فى ظل ضغوط إقليمية ودولية.
ام اخر مهم وهو ان نصرالله كان يلعب دورًا محوريًا فى التنسيق بين حزب الله وإيران، وكان له دور أساسى فى التنسيق مع الحلفاء الإقليميين والجماعات الموالية لايران، خاصة فى سوريا والعراق فى سياق النزاعات الإقليمية ويمكن أن تكون عملية اغتياله سببا فى تعطل هذا التنسيق، مما قد يؤدى إلى ضعف قدرة الحزب على مواجهة التحديات الإقليمية أو الحفاظ على الدعم المالى والعسكرى الذى كان يحصل عليه من إيران خصوصًا فى ظل عدم وضوح الرؤية حول القيادة الجديدة ومدى قدرتها على الحفاظ على العلاقات القوية مع طهران.
ورغم ذلك تحاول ايران التأكيد على أن مقتل نصر الله لن يؤثر على قدرة حزب الله أو موقفه فى المنطقة، مشددة على استمرار قوة الحزب ونفوذه رغم هذا التحول فى القيادة. إذ صرح القائد الأسبق لفيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيراني، أحمد وحيدي:»لقد درب حزب الله العديد من القادة، فى المقابل، يمكن أن تنتج عن عملية اغتيال حسن نصرالله رغبة الحزب أو ايران فى الانتقام كرد فعل انتقامي، مما يزيد من احتمالية تصاعد النزاع مع إسرائيل. هذا قد يؤدى إلى تصعيد عسكرى شامل لا يُعرف مآله، وقد يؤدى إلى خسائر فادحة سواء فى لبنان أو فى البنية التحتية للحزب.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الإيرانيين سيحاولون الانتقام، كما أن التنظيم اللبنانى لا يزال لديه قدرات عسكرية كبيرة قد يستخدمها، وقالت الصحيفة العبرية إنه من الطبيعى أن يكون لتصفية نصرالله آثار دراماتيكية على حزب الله وعلى إسرائيل، فحزب الله تنظيم سياسى عسكرى لديه جيش مسلح يضم ما بين 30 و 50 ألف مقاتل من جميع الرتب، وترسانة من الصواريخ والطائرات بدون طيار لا تمتلكها معظم دول العالم، موضحة أنه من الممكن أن يتم الرد بهجوم مباشر من قبل إيران، وقد يتم عن طريق الميليشيات مسلحة أخرى للعراق وسوريا الموالية لها.
كما يمكن أن تعود عملية اغتيال نصر الله على حزب الله ايجابيا، فالتنظيم يعتمد إلى حد كبير على دعم قاعدته الشعبية فى لبنان والمنطقة. ومن الطبيعى أن يؤثر اغتيال نصرالله على معنويات قاعدته إذا لم يتمكن من الحفاظ على وحدة القيادة واستقرار الرؤية. لكن فى المقابل، إذا تمكنت القيادة الجديدة من استغلال هذا الحدث لتعزيز مكانتها.
بين الاختراق والخيانة
تساؤلات حول أنظمة الأمن والحماية فى حزب الله
تفوق إسرائيل التكنولوجى سهل عمليات الرصد والتتبع للقيادات «المطلوبة»
بيروت – وكالات ألانباء
بعد سلسلة الاغتيالات التى طالت قيادات الحزب ، أجمع الخبراء على أن هذه التطورات تشير إلى وجود «ثغرة أمنية كبيرة» داخل الحزب اللبناني.
لا شك أن مقتل حسن نصر الله يشكل ذروة سلسلة سريعة من الضربات التى استهدفت نصف مجلس قيادة حزب الله، ودمرت قيادته العسكرية العليا، وذلك رغم تجنب نصر الله الظهور العلنى منذ حرب 2006 واتخاذه الحذر لفترة طويلة وصغر دائرة الأشخاص الذين يقابلهم، مما يعنى أن جماعته اخترقها جواسيس لصالح إسرائيل.
يقول العميد منير شحادة، المنسق السابق الحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان «يونيفل»، نقلا عن مواقع إخبارية، إنه لا يمكن أن نتغافل عن قدرات وإمكانيات إسرائيل التقنية والتكنولوجية فى مجال التجسس. فإسرائيل، برأيه، لديها قدرات وتقنيات سرية عالية فى هذا المجال، وتتحكم بالأقمار الصناعية للحصول على ما تحتاجه من معلومات.
ويشير شحادة أيضا إلى وجود تعاون أمنى واستخبارى كبير بين إسرائيل ودول العالم، هذا التعاون برز دوره عام 2005 عندما دخلت جهات خارجية فى التحقيق بحادثة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، بحسب تعبيره.
ويضيف أن تلك الأطراف كان لها دور لاحقا فى جمع كميات كبيرة من المعلومات حول عمل أنظمة الاتصالات والجامعات والمصارف وحتى المستشفيات، «وهذه المعلومات وصلت بطريقة ما إلى اسرائيل»، وفق تعبيره.
كما أصبح أعضاء جماعة حزب الله مكشوفين بسبب استخدامهم أنظمة اتصال تقليدية قابلة للرصد مثل أجهزة الهواتف الذكية والراديو واللاسلكي، مما أتاح للإسرائيليين الحصول على معلومات مهمة حول عمل جميع كوادر وقيادات حزب الله فى تلك الفترة.
وجاء انفجار أجهزة اتصال لاسلكى «البيجر» كان يحملها أعضاء حزب الله فى جنوب بيروت وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 37 شخصا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بصورة بالغة، كنقطة واضحة تدل على الاختراق الأمنى من قبل إسرائيل، فمن لديه القدرة على الوصول لتلك الأجهزة، لديه القدرة أيضا على القيام بما هو أكبر.
لذا فإن التكنولوجيا المتطورة التى تمتلكها إسرائيل ساعدتها فى تنفيذ عمليات دقيقة أدت إلى مقتل هذا العدد الكبير من قيادات حزب الله والحرس الثورى الايراني. وكانت العمليات الاسرائيلية الأخيرة نوعية، لأنها ركزت بالأساس على تصفية هذه القيادات وضرب منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله.
هذه العمليات كانت ترتكز على التفوق التكنولوجى والتطور التقني، فإسرائيل سخرت كل ما تملكه من قدرات فى مجال الذكاء الاصطناعى وأجهزة التجسس والطائرات المسيرة المتطورة وغيرها من الآلة العسكرية لتحقيق هدفها.
لكن لا يمكن إنكار وجود إختراق أمنى كبير بين صفوف حزب الله، وإن إسرائيل استفادت من «عملاء» يعيشون فى مناطق تقيم فيها تلك القيادات للتجسس عليها والكشف عن أماكنها.
الاختراق البشرى كان عنصرا أساسيا فى نجاح هذه المهمة، فعملية قتل نصرالله احتاجت إلى هذا الاختراق الداخلى بسبب السرية التى كان يتمتع بها زعيم حزب الله فى تنقلاته واتصالاته.
.. واللبنانيون: الأوضاع تتفاقم
كتبت– سلوى عزب:
الى اين تتجه الاحداث وهل ستزيد اسرائيل من اعتداءاتها اسئلة تحتاج لاجابة.
يقول د. بلال علامة باحث سياسى لبنانى ان حادثة اغتيال حسن نصر الله غير اعتيادية فى مسار الأحداث فى المنطقة، والصراع مع العدو استراتيجي، ولا يعنى فقط لبنان وغزة والضفة الغربية والاردن وسوريا، ولكن جميع الدول المحيطة بالكيان الإسرائيلى مهددة، وعرضة فى أى لحظة للاعتداء الإسرائيلى وفقًا للمخططات الصهيونية، وقد شكل حسن نصر الله حالة استثنائية فى الصراع، ومن الممكن ان يشكل اغتياله نكسة كبيرة لحالة المواجهة مع العدو، وقد نسق مع كل قوى المواجهة، والمؤكد ان هذه الحالة سوف تتأثر ولكنها لن تنهى المواجهة، لأنها ليست فقط عسكرية، ولكنها مواجهة سياسية ودبلوماسية وثقافية وفكرية، ولا بد من المقاومة الاستمرار وإفشال مخططات الكيان الإسرائيلي، وقادتهم الذين لا يخجلون من إعلان أهدافهم الكبرى بالوصول إلى إسرائيل الكبري، وهى الخريطة التى عرضوها على مر التاريخ .
أوضح ان المواجهة بعد لبنان سوف تنتقل إلى دول اخري، وبإطار آخر،وهو ما حدث امس فى اليمن ضد الحوثيين ومما لا شك ان حادث الاغتيال سوف يؤثر قليلاً على البنية العسكرية لحزب الله، وبالتالى المطلوب اليوم ان نشاهد كيف سوف تبنى المواجهة القادمة مع العدو الإسرائيلي.
أكد د. عبدالله نعمة المحلل السياسى اللبنانى أننا كلنا نعلم ان اغتيال حسن نصر الله هو عمل استخباراتى إسرائيلي، يتم العمل عليه منذ فترة طويلة، وهذا الأمر باعتراف من جيش الكيان، كما اننا نعلم ان توقيت اغتياله ليس بصدفة والغالب أن إيران لا ترغب فى توسيع الصراع فى المنطقة، وهنا اصبح هناك خلاف قائم لان ايران لا تريد محاربة إسرائيل والمقاومة فى أوج حربها، وان نتنياهو لا أحد يقدر على التفاهم معه، وسقط نصرالله بعد ما رفع الغطاء عنه من ايران، ليتم الاتفاق النووى الايرانى مع امريكا، ونحن اللبنانيين كلنا ضد تدمير البلد، وصراعنا مع إسرائيل قبل وجود حزب الله وهى لن تتركنا دون الاعتداء علينا منذ 1948، ولن ينتهى الصراع معهم ومن المؤكد ان حزب الله يتخبط اليوم بعد سلسلة ضربات عديدة عليه، ومن الطبيعى ان حجم الاغتيالات كبير، اغتيال حسن نصر الله هو زلزال ولكن هناك عزيمة عند كل اعضاء حزب الله واللبنانيين بمقاومة إسرائيل، ونحن لم نعتد يوماً على الانحناء لهذا الكيان المجرم.
شدد د. جمال واكيم باحث ومحلل سياسى لبناني، على ان هناك عدة أسئلة بحاجة إلى الإجابة، ولا شك إلى ان العدو الإسرائيلى يتفوق فى مجال الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، والحقيقة ان من يسلك درب المقاومة يجب ان تكون حياته على كفه.