إلى أين تمضى الحرب الهمجية التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية؟!
ولماذا هذا التباطؤ الملحوظ من كل الأطراف المعنية بهذه الحرب، فى جهود ومحاولات وقفها ومعالجة آثارها الكارثية على الشعب الفلسطينى وقضيته، وعلى الاستقرار الإقليمي، والسلام والأمن الدوليين؟!
فى الحادى والثلاثين من شهر مايو الماضي، أطلق الرئيس الأمريكى «بايدن» مشروعه ذا الثلاث مراحل لوقف إطلاق النار فى غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين بين حركة «حماس» وإسرائيل، والانطلاق لمرحلة إعادة الإعمار.
قال «بايدن» يومها: إن إسرائيل وافقت على هذا المشروع، وأن على حماس أن تقبله فوراً.
وفى أول رد فعل لحركة «حماس»، أعلنت أن الحركة «منفتحة» على أى مشروع أو مبادرة يحقق وقفاً مستداماً للحرب وانسحاباً كاملاً لجيش الاحتلال من القطاع وعودة النازحين من شماله وجنوبه إلى أماكنهم، مبدية ترحيبها بالمشروع.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، خرج ليعلن أن ما صرح به الرئيس الأمريكى عن موافقة إسرائيل على مشروعه ليس دقيقاً، وأن ما طرحه عن تفاصيل هذا المشروع ليس بالضبط ما تريده إسرائيل.
ومع ذلك لقى «مشروع بايدن» ترحيباً فورياً واسعاً، عربياً وأوروبياً ودولياً، ووصف المرحبون المشروع بأنه «الأفضل» لوقف الحرب فى غزة والتحرك لما بعدها من القضايا ذات الصلة وصولاً إلى حل الدولتين.
واستثماراً لهذا القبول الكبير للمشروع، قدمت أمريكا بنفسها مشروع قرار به لمجلس الأمن لتوثيقه دولياً من خلال الأمم المتحدة، رغم أنها هى من سبق ان استخدمت الفيتو أربع مرات ضد أربع مشروعات قرارات فى نفس المجلس لوقف إطلاق النار فى غزة ومنعت صدورها.
والقرار الوحيد الذى سمحت بتمريره كان خاصاً بهدنة إنسانية لتبادل أسرى ومحتجزين وامتنعت عن التصويت عليه بدلاً من الاعتراض.
لذلك كان من الطبيعى هذه المرة، وأمريكا هى مقدم مشروع القرار، والمشروع محل ترحيب وقبول دوليين من معظم الأطراف، أن يوافق مجلس الأمن عليه بالإجماع فى العاشر من يونيو الماضي، وسط حالة من التفاؤل بأن أمريكا ستقف وراء القرار، وستشارك الأطراف الإقليمية والدولية المرحبة به.. وفى مقدمتها جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأوروبى وغيرها فى الضغط على إسرائيل للالتزام به، وأن ذلك قد يعوض صدور القرار دون نص على آلية تنفيذه، ودون إشارة إلى أى إجراء فى حق من يعترض عليه أو يعرقل تنفيذه من طرفى الحرب.
ما الذى جرى طوال الأسابيع الأربعة المنقضية منذ صدور القرار؟!
لقد بددت إسرائيل وأمريكا حالة التفاؤل الدولى والإقليمى بإمكانية تفعيل قرار مجلس الأمن على الأرض، وأحبطت الزخم الذى صاحب صدوره وكان قوة دفع جاهزة للتحرك لوقف الحرب.
إسرائيل لم تلتزم بالقرار لحظة واحدة.. استمرت فى الحرب.. توسعت فى عملية التوغل فى مدينة رفح الفلسطينية وما حولها جنوب القطاع، قتلت ودمرت كل ما فى طريقها.. ليس فى رفح والجنوب فقط، بل «رايح جاي» جنوباً وشمالاً ووسط القطاع.
قال نتنياهو إنه كان موافقاً على المرحلة الأولى من القرار الخاصة بوقف إطلاق النار لتبادل المحتجزين والأسري، وكان ينوى بعد الحصول على محتجزيه أن «يخلع» من القرار ويستأنف القتال.
وإنه لن يوقف الحرب إلا بعد تحقيق أهدافه كاملة وهى القضاء على «حماس» واستعادة المحتجزين لديها، وضمان ألا تعود غزة مصدر قلق لإسرائيل وألا تتكرر عملية «طوفان الأقصي».
ما هو موقف أمريكا، صاحبة المشروع، وراعية قرار مجلس الأمن، والتى من المفترض أن تتحمس له، وتقود عملية تنفيذه تحت مظلة الأمم المتحدة، وتسعى للنجاح فى ذلك لتسجل لنفسها نصراً تاريخياً فى وقف أكثر الحروب وحشية ودموية فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية؟!
لم تتخذ أمريكا خطوة عملية واحدة فى هذا الاتجاه حتى الآن.
كل ما شاهده العالم، فصول من مسرحية هزلية عن خلافات وهمية بين نتنياهو والرئيس الأمريكى وهذا غاضب، وذاك «مقموص».. وجولات لوزير الخارجية الأمريكى فى المنطقة، وزيارة لوزير الدفاع الإسرائيلى لواشنطن، بينما آلة القتل والتدمير والتشريد الإسرائيلية مستمرة ومتصاعدة فى حصد أرواح الفلسطينيين من كل الأعمار وقتل كل مصادر الحياة فى قطاع غزة.
يعني.. لا إطلاق النار توقف.. لا مشكلة إزالة العقبات الإسرائيلية أمام نفاذ المساعدات الإنسانية ومضاعفتها للقطاع تحركت خطوة واحدة نحو الحل.. واستمرار اعتداء إسرائيل على مقار فروع المنظمات الدولية والعاملين بها فى غزة لم يتوقف.
وكلما تعرض البيت الأبيض أو وزارة الخارجية فى أمريكا لأسئلة حول الموقف الأمريكي، كان الرد المتكرر وسابق التجهيز هو: نحن مستمرون فى العمل مع الوسطاء لسد الفجوات بين الموقفين الإسرائيلى والفلسطيني..!
أى فجوة هذه بين طرفين أحدهما مجرم، والآخر ضحية أو مجنى عليه؟!
إسرائيل دولة احتلال بنص عشرات القرارات الدولية من الأمم المتحدة ومن غيرها.. وهى التى تشن حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى صاحب الأرض والحق، وتقف إسرائيل فى قفص الاتهام بمحكمة العدل الدولية، ومجرما الحرب فيها، رئيس الوزراء ووزير دفاعه محل ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية.. فكيف يمكن التحدث عن فجوات بين الموقفين.
ثم كيف ننتظر من دولة مثل أمريكا تعتبر وجود وأمن إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الوجود والأمن القومى الأمريكي، أن تكون وسيطاً محايداً، وهى التى بادرت عقب صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، بالإفراج عن شحنات أسلحة إضافية لإسرائيل لمساعدتها على الاستمرار فى الحرب؟!
وسبق لأمريكا منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة أن أعلنت موافقتها الكاملة على أهداف إسرائيل المعلنة من الحرب.
ما يحدث الآن، هو استخدام إسرائيل لقرار مجلس الأمن للاستمرار فى حربها الوحشية حتى النهاية دون اعتراض أمريكي.
بل إن إسرائيل تعلن الآن أن أمامها عشرة أيام لبدء المرحلة الثالثة من الحرب ولا أحد يعترض وكأن قرار مجلس الأمن صدر ليمنحها المهلة التى تحتاجها لتحقيق أهدافها غير المشروعة فى غزة وفقاً للجدول الزمنى الذى تضعه لنفسها، حتى تتفرغ لمواجهة حزب الله فى لبنان.
وكل ذلك يعطى انطباعاً بأننا عائدون مرة أخرى لسحب ملف القضية الفلسطينية إلى الدائرة الجهنمية التى أدت إلى «طوفان الأقصي»، دائرة جولات لا تتوقف من مفاوضات بلا فاعلية تحت شعارات عملية السلام وحل الدولتين وهذا انطباعى الذى أتمنى أن يكون خاطئاً.